الإسلاميون ومستقبل العالم العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما مغزى الانتصار الانتخابي الكاسح لحزب «النهضة» الإسلامي في تونس الأسبوع الفائت؟

وراء المغزى أبعاد وأصداء. ولذا لن ندركه تماماً، ما لم نأخذ في الاعتبار اكتساح «حماس» للانتخابات الفلسطينية قبل بضع سنوات في قطاع غزة، وانتصار «جبهة الإنقاذ الإسلامي» في الجزائر عند مطلع التسعينيات، واستحواذ «الإخوان المسلمين» على خمس مقاعد البرلمان المصري في عهد مبارك، رغم عمليات الترهيب والتزوير واسع النطاق ومنع أقسام من جماهير الناخبين المؤيدين للتنظيم من الوصول إلى مراكز الاقتراع. ومن وجه آخر، كانت هذه الانتصارات المبينة، إدانة معنوية دافعة لكل من زين العابدين بن علي وقيادة السلطة الفلسطينية وجنرالات الجزائر وحسني مبارك.

لكن للتاريخ العربي تقلبات عجيبة. فخلال عقود الخمسينيات والستينيات، كانت التنظيمات الإسلامية الحليف المفضل لأنظمة الاستبداد العربية.. وأيضا للغرب، وخاصة الولايات المتحدة.

في عام 1968 أنشأ شاه إيران محمد علي بهلوي، تنظيماً إقليمياً تحت مسمى «الحلف الإسلامي»، بمشاركة عدد من الدكتاتوريات العربية. الولايات المتحدة كانت القوة الدولية الكبرى وراء هذا التكتل. وكان الهدف الاستراتيجي الأعظم، هو صد تيار القومية العربية الذي كانت تقوده مصر الناصرية. وشاهد القول هنا، هو أن التنظيمات الإسلامية في العالم العربي، خاصة الإخوان المسلمين في مصر، تشكل السند الشعبي للحلف. الحرب الباردة بين المعسكرين؛ الرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة والاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي، كانت في أعلى ذراها. وهكذا ومن خلال «الحلف الإسلامي»، وضعت الجماعات الإسلامية إمكانياتها السياسية في خدمة الأجندة الأمريكية بشكل مباشر، والأجندة الإسرائيلية بصورة غير مباشرة.

ماذا جرى، إذن، من حيث إن هذا الوضع انقلب رأساً على عقب، فغيرت الجماعات الإسلامية العربية وجهتها، وبالتالي استحقت عداءً استراتيجياً من الغرب والأنظمة العربية؟!

قبيل حلول عقد التسعينيات، وقع الانهيار العظيم للمعسكر الاشتراكي، وانحسار للاتحاد السوفيتي كقوة عظمى مناوئة للقوة العظمى الأمريكية. وهكذا لم تعد الحركات الإسلامية العربية تمثل حليفاً للغرب.. بل صارت عدواً إيدولوجياً، بديلاً عن الأحزاب الشيوعية العربية التي كان انهيار الاتحاد السوفييتي بمثابة عد تنازلي لأفولها.

وربما كانت هناك بوادر مبكرة للطلاق بين التنظيمات الإسلامية والأنظمة العربية. وهنا يسجل التاريخ حادثة اغتيال الرئيس السادات، في أعقاب انفتاحه على إسرائيل بزيارته الخطيرة إلى القدس ومخاطبته البرلمان الإسرائيلي في عام 1977.

في كل الأحوال، يبقى سؤال مفتاحي: ما مرد العداء الأمريكي الراسخ للتنظيمات والحركات الإسلامية في العالم العربي؟ هل هو حقاً عداء إيديولوجي صِرف يستهدف الإسلام كقوة حضارية، أم هو تخوف من استقلالية هذه التنظيمات والحركات ورفضها الخضوع للإرادة الغربية؟

الاحتمال الثاني هو الأرجح، بدليل أن العداء الأمريكي المستحكم يتجاوز الجماعات الإسلامية، ليشمل أحزاباً ومنظمات تنهج نهجاً مستقلاً تحررياً باستقلال تام عن الأجندة الدولية للغرب. وينبغي هنا أن ننبه إلى أن المرتكز الأساسي لتوجهات السياسة الأمريكية تجاه العالم العربي والإسلامي، هو اعتبارات أمن إسرائيل. فالطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة، لا تقبل منك أن تكون صديقاً لأمريكا وفي نفس الوقت عدواً لإسرائيل، مهما كانت المبررات الموضوعية.

لذا يبقى هناك سؤال ثانٍ: ما مستقبل الرؤية الأمريكية للتنظيمات الإسلامية العربية، في ضوء المتغيرات الجارية والمتوقعة على طريق ما يطلق عليه «ربيع الثورات العربية»؟

ما ثبت الآن من خلال هذا الربيع، الذي شهد ويشهد الانتصار الكاسح للحركات الإسلامية في تونس، والانتصار المماثل المتوقع للتنظيم الإسلامي في الانتخابات المصرية الوشيكة، وبروز تنظيم إسلامي قوي في ليبيا، هو أن المنظمات الإسلامية هي الأقدر في التنافس السياسي، إذا أتيحت لها الفرصة لخوض معركة انتخابية في إطار نظام ديمقراطي تعددي وحر.

ظاهرياً رحبت إدارة أوباما بهذا التحول، انطلاقاً من ادعائها بتشجيع نشر الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، لكنه ترحيب يدخل في باب فن العلاقات العامة. وأغلب الظن أنه على الصعيد العملي، ستبذل الولايات المتحدة كل ما في وسعها لتفشيل أي نظام حكم ينفرد به الإسلاميون أو يشاركون فيه بقدر مؤثر. وبينما يتعين على قيادات التنظيمات الإسلامية أن تعي هذا الخط السياسي الأمريكي وتداعياته العملية، فإن علينا أن ندرك من ناحية أخرى، أن النفوذ الدولي الأمريكي دخل مرحلة انكماش وانحسار، بسبب الفوران الداخلي الناشئ عن أعتى أزمة تجتاح الاقتصاد. فأمريكا اليوم ليست أمريكا الأمس.

 

Email