الإعلام والهوية الوطنية

ت + ت - الحجم الطبيعي

"الإعلام والهوية الوطنية" هو عنوان الملتقى الذي احتضنته قبل أيام العاصمة أبوظبي، للبحث في إشكالية "الإعلام والهوية في عصر العولمة"، و"واقع الهوية الوطنية في إعلام الإمارات.. كتاب الأعمدة الصحفية"، و"تجارب مؤسسية وفردية في تعزيز الهوية الوطنية في الإعلام"، و"تجارب في الإعلام والهوية الثقافية والوطنية من دول مجلس التعاون الخليجي".

ملتقى الإعلام والهوية الوطنية، جاء في الوقت المناسب لمناقشة إشكالية مهمة جداً، تتعلق بمدى مواكبة المنظومة الإعلامية الإماراتية لمشاريع وخطط وإنجازات الدولة في المجالات المختلفة، وبناء الإنسان الإماراتي.

والكلام عن الإعلام في دولة الإمارات يثير عدة تساؤلات وإشكاليات، من أهمها: ما هي إنجازات النظام الإعلامي في الدولة؟ وهل وصلت هذه الإنجازات إلى مستوى ما أنجزته القطاعات الأخرى؟ هل قام هذا القطاع بالدور المنوط به؟ وهل استطاع أن يكون في مستوى التطورات التي حققتها الدولة في المجالات الأخرى؛ الصناعة، الاقتصاد، التجارة، الخدمات، السياحة، الزراعة، التعليم، الصحة، المواصلات، الاتصالات... الخ؟ وما هي مسؤولية المؤسسة الإعلامية والقائم بالاتصال، في رفع التحدي والقيام بالدور الإيجابي والفعال للمنظومة الإعلامية، في دولة أكدّ فيها كبار المسؤولين عن حاجتهم إلى إعلام يكشف الحقائق ويقوم بالاستقصاء وطرح المشاكل بكل شجاعة وجرأة، وأكدوا أمام الملأ أنهم ليسوا في حاجة إلى إعلام التملق والتسبيح والمدح وثقافة "كل شيء بخير وعلى أحسن ما يرام"؟

إن الفجوة كبيرة بين الواقع الاقتصادي والحضاري ومختلف الإنجازات التي حققتها دولة الإمارات، وواقع النظام الإعلامي فيها. فالكثير ينتقد ويرى أن إعلام دولة الإمارات العربية المتحدة، إعلام من دون هوية ولا رؤية ولا استراتيجية، إعلام يتمتع بالإمكانيات والوسائل، لكن تنقصه الرسالة المنتقدة والهادفة والساهرة على مصلحة الشعب والأمة. فالمؤسسة الإعلامية ليست توزيعا وإعلانات وأرباحا فقط، بل هي قبل كل شيء مؤسسة اجتماعية، لها رسالة ومسؤولية كبيرة جدا في التنشئة الاجتماعية والتوعية والتثقيف والمواطنة. فالمنظومة الإعلامية هي ذاكرة المجتمع، وهي منبر الديمقراطية والحوار والنقاش، وهي المنصة التي تلتقي فيها الآراء والأفكار ومختلف وجهات النظر.

تتوفر دولة الإمارات على بنية تحتية إعلامية واتصالية ممتازة، تعد من الأحسن على مستوى الوطن العربي وباقي الدول النامية، كما تنعم بإنفاق إعلاني معتبر، يضعها في المرتبة الثانية على مستوى الدول العربية. وهذه مؤشرات تبشر بالخير، لكن السؤال الذي يطرح نفسه؛ هل البنية التحتية والإمكانيات المادية تكفي وحدها لإيجاد منظومة إعلامية قوية؟ ماذا عن المحتوى؟ وماذا عن الرسالة؟ وماذا عن الكادر البشري؟ ماذا عن القضايا المحلية؟ ماذا عن الحوار والنقاش والرأي والرأي الآخر؟ ماذا عن الحرية الإعلامية وعن قانون النشر والمطبوعات؟ ماذا عن المجتمع المدني والرأي العام في البلد؟ ماذا عن الفضاء العام والإعلام؟ وماذا عن تفاعل الشارع مع صانع القرار؟ أسئلة يجب الوقوف عندها بتأنٍّ وبجدية كبيرة، وتجب مناقشتها بكل شفافية وشجاعة وصراحة، إذا أردنا أن يكون الإعلام في دولة الإمارات إعلاما فاعلا مؤثرا، ومنبرا للديمقراطية والحريات والأفكار والآراء الجريئة والبناءة. إعلام يكون هدفه مواكبة ما يحدث ويجري في البلاد، وليس مجرد المدح والإشادة.

أولت القيادة السياسية لدولة الإمارات في السنوات الأخيرة، اهتماماً بالغاً بموضوع توطين الوظائف في الدولة وإشراك العنصر المواطن في مختلف القطاعات والمجالات، خاصة القطاع الخاص. وبالنسبة لوسائل الإعلام يكتسي الموضوع أهمية بالغة، لأن الرسالة الإعلامية هي قبل كل شيء منتج فكري وسياسي وأيديولوجي وثقافي واجتماعي، وهذا يعني أن القائم على إنتاج هذه البضاعة الفكرية، التي تقدم للرأي العام الإماراتي محلياً وللرأي العام جهوياً وإقليمياً ودولياً باسم دولة الإمارات العربية المتحدة، يجب أن تحمل بصمات وإمضاءات العنصر الإماراتي، بكل ما تحمل الكلمة من معنى، سواء من حيث المحتوى أو اللكنة أو اللباس أو المظهر أو المخزون اللغوي واللساني... الخ. هذا يعني أن إعطاء الفرصة لابن الإمارات لخوض التجربة الإعلامية والصناعة الإعلامية، أمر لا جدال حوله، وأن التطور الذي شهدته دولة الإمارات في مختلف المجالات، يجب أن يرافقه تطور على مستوى الطاقات والكوادر البشرية المواطنة. كما يجب إيجاد معادلة صحية وصحيحة بين خريجي الجامعات ومختلف الكليات من جهة، والقطاع المستخدم، سواء كان عاماً أم خاصاً، من جهة أخرى. كما لا ننسى أن مخرجات وسائل الإعلام تلعب دوراً استراتيجياً في صناعة وتشكيل الرأي العام، وهذا يعني أن صناعة الرأي العام الإماراتي يجب أن يشرف عليها أبناء وبنات البلد من المؤهلين والمتمرسين والأكفاء.

إن عملية توطين وظائف الإعلام في الدولة، تتطلب خطة محكمة ومدروسة من قبل المؤسسات التي تكوّن الكوادر الإعلامية، والمؤسسات الإعلامية التي تستخدم هذه الكوادر. إن المؤسسة الإعلامية، وضمن خطة التوطين، من واجبها أن توّفر التدريب العملي للطالب الجامعي وتعمل على استقطابه للعمل لديها، كما أن من واجبها تنظيم دورات تدريبية للقائمين بالاتصال، القدماء والجدد، لمواكبة التطورات التكنولوجية والنظرية في المجال الإعلامي وثورة الاتصال والمعلومات. من جهة أخرى، يجب على الطالب أو الطالبة الجامعية، الالتزام بالمؤسسة الإعلامية التي تسهر على تدريبهم، بعد الالتزام بحب المهنة والتفاني من أجلها. فعملية التوطين، إذن، تتوقف على التزام المؤسسة الإعلامية، سواء كانت عامة أم خاصة، بوضع برنامج وخطة واضحة المعالم تحدد فيها احتياجاتها من الإطارات والكوادر الصحافية، على المدى القصير والمتوسط والبعيد، وما هي استراتيجية استقطابها للعناصر الجامعية، وكيفية تدريب وتكوين هذه العناصر للقيام بالواجب كما ينبغي، إذ يعتبر ذلك التزاما واستثمارا من قبل المؤسسة الإعلامية، لإنجاح عملية الإحلال والتوطين والهوية الوطنية في المنظومة الإعلامية الإماراتية. وهنا تجدر الإشارة إلى الدور المتميز الذي يقوم به المجلس الوطني للإعلام، سواء في عملية التكوين والتوطين أو الاهتمام بمشكلة الهوية الوطنية في المنظومة الإعلامية الإماراتية.

لقد حان الوقت للوقوف عند الصناعة الإعلامية في الدولة، لدراسة الوضع وتحديد نقاط القوة والضعف، ومن ثمة وضع استراتيجية واضحة المعالم لمعرفة ماذا تريد السلطة بالضبط من وسائل الإعلام؟ وماذا تريد المؤسسة الإعلامية بالتحديد؟ وماذا يريد الصحافي من مهنته ومؤسسته؟ وماذا يريد المشرع من القوانين والتشريعات؟ وماذا تريد جمعية الصحافيين من المهنة ومن المنظومة الإعلامية ككل؟ وأخيراً، ماذا يريد الشارع من النظام الإعلامي في البلد؟

إن الإجابة على هذه الأسئلة بكل شجاعة وبكل صراحة وبكل وضوح، تفتح الباب على مصراعيه، بعد القيام بالبحوث والدراسات الميدانية، لاستشراف المستقبل ووضع خارطة طريق محكمة، مدروسة ومنهجية، تكون في مستوى النمو الاقتصادي والإنجازات الكبيرة والمشاريع الضخمة التي حققتها دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي خططت لإنجازها في المستقبل.

كلية الاتصال ـ جامعة الشارقة

Email