عالم اليوم والصراع الطبقي

ت + ت - الحجم الطبيعي

«يا عمال العالم اتحدوا».. صرخة مدوية أطلقها قبل ما يقارب المئة عام، فلاديمير لينين، المفكر التنظيري والقائد الميداني للثورة البلشفية، التي انبثق عنها الاتحاد السوفييتي كباكورة لتطبيق الماركسية اللينينية، التي شكلت حجر الأساس للمعسكر الاشتراكي السوفييتي.

لينين رحل عن الدنيا في أواخر عشرينات القرن العشرين. ورغم أن المعسكر السوفييتي العالمي بقي على قيد الحياة الإيديولوجية لما ينيف على سبعة عقود زمنية، إلا أن الطبقات العاملة في أنحاء العالم لم تتحد. لكن الآن، وفي أوائل العقد الثاني للقرن الحادي والعشرين، يبدو أن الطبقات العاملة تتجاوب عفوياً مع بعضها البعض، وكأنها تلبي الدعوة إلى التوحد.

تحت اسم «احتلوا وول ستريت»، انطلقت الصيحة الاستهلالية من مدينة نيويورك، قلعة رأس المال العالمي. ومن ثم عمت تظاهرات الغضب معظم المدن الأميركية الكبرى، قبل أن تتجاوب مع النداء مئات المدن في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك بلدان أوروبا الغربية.

هذا التحرك العالمي المتزامن، لم يأت وفقاً لتنظيم مسبق أو تنسيق بين قيادات في شتى أنحاء المعمورة، وإنما نبع من وحدة القضايا والظلامات بين شرائح الطبقات العاملة، في إطار الصراع العالمي الأزلي بين «العمل» ورأس المال. والآن يبدو أن ما نشاهده، هو أن هذا الصراع العالمي قد دخل مرحلة حاسمة وفاصلة.

ولكن ما هي هذه الظلامات على وجه التحديد؟ لنأخذ الوضع في الولايات المتحدة، باعتبار أنه النموذج الذي ينطبق على الأوضاع في بقية أنحاء العالم، مع تفاوتات شكلية هنا وهناك.

في مقدمة القضايا، الفجوة العظمى الأسطورية في الدخل بين الأغلبية الساحقة، والشريحة الطبقية العليا متناهية الصغر. لقد بلغ عدم المساواة في المجتمع الأميركي المعاصر، حداً لم يعرف له مثيل في تاريخ الولايات المتحدة. وعلى صعيد موازٍ، بلغ حجم البطالة مستوى لا نظير له منذ «الكساد العظيم» في ثلاثينات القرن العشرين. في أنحاء أميركا الآن 17 مليوناً من العاطلين، والرقم في زيادة مطّردة. وفي المقابل، لا تفتأ الشركات الكبرى الأميركية تسجل أرقاماً قياسية، بحيث يبدو وكأن المجتمع الأميركي قد انقسم إلى مجتمعين: الذين يملكون، والذين لا يملكون.

كنسبة مئوية من حجم الاقتصاد الأميركي، فإن أرباح الشركات الكبرى ظلت تتضاعف على الدوام، منذ عقد الخمسينات من القرن الماضي. وفي هذا تقول مجلة «الإيكونومست» اللندنية، إن دخل الرئيس التنفيذي في إحدى الشركات الكبرى يبلغ الآن 350 ضعف متوسط أجر العامل، الذي لم يزد على مدى هذه العقود الزمنية الطويلة إلا بنسبة 4% فقط (مع احتساب معدلات التضخم).

الشريحة الطبقية العليا في الولايات المتحدة، لا تساوي أكثر من 1% من عدد السكان، ومع ذلك فإنها تستأثر بنسبة 42% من الثروة المالية الوطنية.

حالة عدم المساواة الفاضحة، كان من الممكن أن يتعايش معها عامة الناس لو بقي «الحلم الأميركي». والحلم الأميركي هو أن يكون من الميسور للفرد الأميركي العادي أن يشق طريقه صوب شريحة الـ1%، لكن التحول الاجتماعي في هذه الحالة يكاد يكون معدوماً. فالشريحة العليا لا تسمح بمثل هذا التحول، علماً بأنها تتملك الأدوات السلطوية والمالية التي تفي بها طبيعتها الاحتكارية.

هناك «مساواة» من نوع غريب. فالنسبة المئوية للضرائب التي تفرضها الدول على الفقراء أصحاب الدخول المتواضعة المحدودة، هي نفس النسبة المخصصة للأثرياء من المليونيرات والمليارديرات.

وفي الواقع فإن تحيز جهاز الدولة الأميركي للأثرياء ضد الفقراء، له أكثر من وجه. فعندما صارت البنوك الأميركية على شفا الانهيار خلال الأزمة المالية العاصفة في عام 2008، هرع جهاز الدولة إلى إنقاذها بضخ أموال بعشرات المليارات في خزائنها. تلك كانت تراكمات الأموال التي دفعها الفقراء كضرائب.

كان هذا لوحده سبباً مشروعاً بقدر كاف، للتمرد الشعبي في الولايات المتحدة. فالبنوك صارت على حافة الإفلاس، لأنها كانت تقرض ما لديها من أموال الودائع إلى مستثمرين مستهترين، لاستخدامها في مضاربات ذات درجة عالية من الخطورة في بورصات الأسهم والعملات.

ثم ماذا بعد؟

الفوران الشعبي في الولايات المتحدة وأوروبا، على الأقل مرشح للتصاعد والاتساع. خطوط المعركة أصبحت واضحة، جماهير الطبقات الدنيا تواجه طبقة سياسية حاكمة لا دور لها سوى خدمة شريحة رأسمالية. لذا سوف يزداد المشهد تأججاً، لأن المطلوب جماهيرياً ليس أقل من إسقاط نظام اقتصادي بأكمله، واستبداله بنظام اقتصادي جديد.

 

Email