من طريق مسدود إلى آخر

ت + ت - الحجم الطبيعي

بينما تواصل القيادة الفلسطينية حشد ما لديها من قدرات دبلوماسية، لنيل اعتراف رسمي في الأمم المتحدة بدولة فلسطينية، تمضي إسرائيل قدماً في تطبيق خططها في التوسع الاستيطاني اليهودي على الأرض. الاستيطان هو لٌب القضية، كما قال الرئيس محمود عباس في مخاطبته العالم عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل نحو أسبوعين.

 ولذا فإن السؤال الذي ينبثق من هذه الحقيقة هو: كيف يمكن عملياً إنشاء وبناء دولة فلسطينية، على واقع جغرافي لا يتوقف التوسع الاستيطاني لحظة عن تغييره يوماً بعد يوم، حتى لو نالت القيادة الفلسطينية ما تريد من المنظمة الدولية؟

آخر الأنباء الاستيطانية تفيد بصدور وثيقة عن الإدارة المدنية (وهي في الحقيقة إدارة عسكرية)، التابعة للجيش الإسرائيلي تتحدث صراحة عن خطوات لزيادة ملكية إسرائيل لأرض الضفة الغربية، بهدف منع إقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً.

وتكشف الوثيقة عن أن الجيش الإسرائيلي يعمل على تنظيم عملية استيلاء على مساحات واسعة من الأراضي في الضفة، سوف تمكنه من تنفيذ إجراءات تخطيط وبناء حول الكتل الاستيطانية الواقعة جنوب مدينة نابلس في عمق الضفة، وأخرى تقع بين القدس الشرقية ومدينة أريحا، وثالثة تقع بين القدس الشرقية ومدينة الخليل، وكذلك حول المستوطنات في القدس الشرقية، وفي مناطق استراتيجية مثل غور الأردن وشمال البحر الميت، "التي تمنع من الناحية العملية قيام دولة فلسطينية مع تواصل جغرافي" على حد قول الوثيقة.

نستذكر في هذا الصدد أنه في عام 2004، قام الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن بتسليم رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق آرييل شارون، ما يطلق عليه "رسالة ضمانات" يتعهد فيها الرئيس الأميركي بتغيير مسار الحدود بين إسرائيل والضفة الغربية، من خلال ضم الكتل الاستيطانية الرئيسية إلى إسرائيل!

الآن يطلب رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتانياهو من الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما، إعادة تأكيد التزام الولايات المتحدة بهذه الرسالة ومضمونها. ومن المؤكد أن القيادة الإسرائيلية ستتلقى هذا التعهد، إن لم تكن قد تلقته بالفعل سراً. في الوقت نفسه أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن خطة تقضي بمصادرة نحو 700 ألف دونم من أراضي "عرب 48"، وإزالة نحو 40 قرية غير معترف بها إسرائيلياً.

وستقام على الأراضي المصادرة مستوطنات يهودية. المغزى واضح.. وهو أن إسرائيل في حالة سباق مع الزمن لاستكمال تهويد كافة أراضي "يهودا والسامرة"، الاسم "التوراتي" الذي تطلقه إسرائيل على الضفة الغربية، بما يؤدي إلى طرح سؤال: ماذا ينبغي أن تفعل السلطة الفلسطينية لمنع إسرائيل من التمكن من شراء الوقت؟

الموقف الرسمي الثابت للقيادة الفلسطينية في رام الله، هو رفض التفاوض الثنائي مع إسرائيل إذا لم يترافق مع العملية التفاوضية توقف الجانب الإسرائيلي عن البناء الاستيطاني. والموقف الرسمي الإسرائيلي هو رفض هذا الشرط، أي أن يشرع الطرفان في التفاوض "دون شروط مسبقة".

وإزاء هذا الوضع فإن أي مراقب محايد، لا بد أن يتساءل عن ماذا تأمل القيادة الفلسطينية أن تفعله لحمل الطرف الإسرائيلي على تغيير موقفه؟ فعملية التوسع الاستيطاني ماضية قدماً، سواء في حالة تفاوض أو عدم تفاوض. أجل، إن التفاوض عملية عقيمة لا يريد منها الجانب الإسرائيلي سوى أن تكون غطاء لاستمرار البناء الاستيطاني. وإذن، فإن هذا الوضع يتطلب من القيادة الفلسطينية استنباط منهج يكون بديلاً عن المنهج التفاوضي. ولكن الرئس الفلسطيني يذكّر العالم والشعب الفلسطيني، بأن "البديل عن المفاوضات هو المفاوضات".

ومعنى ذلك ببساطة، هو أن القضية وصلت مع التعنت الإسرائيلي إلى طريق مسدود. هذا مأزق. وربما بلجوئه إلى هيئة الأمم المتحدة، أراد الرئيس الفلسطيني الخروج من المأزق بطريقة أو أخرى. لكن اللجوء الفلسطيني إلى المنظمة الدولية، قد يفضي عند نهاية المطاف إلى مأزق من نوع آخر. أولاً؛ هنالك الفيتو الأميركي في مجلس الأمن الدولي. وإدارة أوباما لم تدخر وسعاً في إبلاغ العالم علناً، أنها لن تسمح إطلاقاً بصدور قرار ينطوي على اعتراف دولي بدولة فلسطينية ونيل هذه الدولة عضوية الأمم المتحدة.

ولكن، لنفترض أن القيادة الفلسطينية فازت بهذا الاعتراف بنقل طلبها إلى الجمعية العامة، بعد استخدام الولايات المتحدة حق الفيتو في مجلس الأمن، فإنه سيبقى سؤال كبير: ثم ماذا بعد؟

إذا كان الهدف الفلسطيني النهائي هو تحرير أرض من احتلال استيطاني، تمهيداً لإقامة دولة مستقلة ذات سيادة كاملة، فإن قرار اعتراف دولي لن يحقق هذا الهدف. خطاب الرئيس الأميركي أوباما أمام الجمعية العامة قبل أسبوعين، كان حافلاً بأكاذيب ومغالطات، لكنه كان صادقاً في نقطة واحدة تجلت في قوله إنه لو كان الأمر بهذه البساطة، لما ظلت المشكلة مستعصية على الحل لمدى عقود زمنية حتى الآن.

Email