الحاجة لمبادرة دولية لأمن الملاحة البحرية

ت + ت - الحجم الطبيعي

انطلق منتدى الملاحة في المحيط الهندي (IONS) منذ فبراير عام 2008، ومثل خطوة مهمة من أجل أمن الملاحة البحرية، بناء على نتائج اجتماع قادة القوات البحرية لمعظم الدول المطلة على المحيط الهندي، الذين اجتمعوا آنذاك في العاصمة الهندية نيودلهي.

لقد وفر الميثاق الصادر عن هذا المنتدى، إطاراً لتعزيز التفاهم المشترك في الشؤون البحرية التي تواجهها الدول المطلة على المحيط الهندي، مثل تعزيز أمن واستقرار الملاحة الإقليمية، والتأسيس والترويج لفعاليات التعاون المختلفة، وتنمية العمليات المشتركة بحسب تعابير عقيدة القوات البحرية. وهذا المنتدى الإقليمي التشاوري، يوفر أرضية للقوات البحرية لهذه الدول، للبحث الدوري والمنتظم لقضايا أمن الملاحة البحرية الإقليمية.

وبموجب ميثاق منتدى المحيط الهندي، فإن العضوية الكاملة مفتوحة لكل الدول المطلة على هذا المحيط. كما أن الدول الأخرى التي ترغب في المشاركة، يمكن لها الحصول على العضوية المراقبة إذا ما وافقت على معايير الميثاق. وأقر المتندى أن تكون الرئاسة دورية كل عامين.

كما تضمن الميثاق مقترحات وأفكاراً ساهمت فيها دول من خارج الإقليم، مثل فرنسا وأستراليا. ومن المتوقع من الدول الأعضاء في المنتدى، إقرار الميثاق بالصيغة النهائية في الاجتماع المزمع عقده العام المقبل 2012، والذي ستستضيفه جنوب إفريقيا، وبذلك سيصبح الميثاق ساري المفعول وتسترشد به الدول الأعضاء في منتدى الملاحة للمحيط الهندي (IONS)، في أنشطتها المستقبلية.

يمثل أمن الملاحة البحرية شرطاً أساسياً للأمن الاقتصادي للدول العربية وبقية دول العالم، ولذلك فإن جهود التعاون الإقليمي والدولي تحتاج للمساندة والدعم. إن العمل الإقليمي لحماية خطوط الملاحة البحرية من أي تهديدات، بما فيها القرصنة والجرائم العابرة للقارات، وبناء القدرات للعاملين في مجال أمن الملاحة البحرية، جميعها تمثل جوهر اهتمام التعاون والتفاعل الثنائي والمتعدد الأطراف بين الجهات المعنية بالملاحة.

ويحتل أمن الملاحة البحرية أهمية في علاقات العرب مع العالم، وخاصة مع الدول المجاورة. وللعرب روابط تاريخية وحضارية مع جيرانهم المحيطين بهم، من أوروبا إلى إفريقيا وحتى آسيا، ولهذه العلاقة أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

ومن المهم للدول العربية أن توسع علاقاتها الدبلوماسية إقليمياً وعالمياً، على أسس بعيدة المدى، وبما يخدم تعزيز القدرات العربية، بما فيها الحصول على التدريبات اللازمة والقيام بالمناورات البحرية المشتركة، ومواكبة الملاحة الدولية بما يخدم الملاحة البحرية العربية.

إن أمن الملاحة البحرية موضوع مهم في الحوار بين الدول، ويتطلب تبادل المعلومات ورفع الوعي والمشاركة في أفضل الممارسات من أجل أمن الملاحة البحرية، والحد من التلوث البحري، وتطبيق القوانين الخاصة بالملاحة لمواجهة أي انتهاكات، مثل القرصنة وتهريب البشر والمخدرات. وجهات المساعدات الإنسانية والمؤسسات المعنية بالكوارث، هي الأخرى مطالبة بتعاون وتبادل وجهات النظر في كيفيات تعزيز أمن الملاحة البحرية إقليمياً وعالمياً.

إن المبادرة للاتفاق حول التعاون الإقليمي، لمناهضة القرصنة والسطو المسلح على السفن والناقلات البحرية، يتطلب التباحث والتعاون بين الدول العربية والدول الأخرى بهذا الشأن، والترويج لتعزيز التعاون ضد القرصنة والسطو المسلح في البحار المحيطة بالدول العربية. وهناك نماذج لتعاون الحكومات على المستوى الإقليمي، تمت برعاية منظمة الملاحة الدولية (IMO).

كما أن مثل هذه الاتفاقيات يمكن أن تشمل، إلى جانب أمن الملاحة البحرية، مجالات مثل التعاون على مستوى المساعدات الإنسانية وموجهات الكوارث، ومكافحة الإرهاب وعمليات حفظ السلام. وبذلك فإن اتفاقيات التعاون هذه والتدابير التي تتخذ بشأن تنفيذها، ستمكن الدول العربية من الدفاع عن المصالح الملاحية المشتركة.

كما أن رفع كفاءة العاملين في هذا المجال، تسهم في حماية المياه الإقليمية العربية والمصالح الكونية المشتركة. والدول المطلة على سواحل مشتركة تحتاج إلى تعزيز أمن سواحلها، والتعاون في حماية ثرواتها السمكية والاستفادة منها بالشكل الأمثل.

إن سياسات إدارة الثروات السمكية تحتاج إلى التعاون بين الدول العربية ومع الجهات الدولية، ما يتطلب التنسيق بين الجهات المعنية في هذه الدول. وتدخل في هذا الإطار حماية الأحياء المائية والبيئة البحرية، وتتطلب تعاوناً بين الدول العربية المطلة بشكل مشترك على بعض البحار المحيطة، بما فيها التنسيق بين قوات خفر السواحل.

وذلك يمثل بعداً مهماً آخر في مجال الملاحة البحرية. كما أن الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية وأثرها في البحار المحيطة بالدول العربية، يمكن أن تكون لها آثار سلبية في سكان السواحل والجزر الصغيرة التابعة للدول العربية.

إن تطوير الموانئ وتنمية البنية التحتية لسواحل الدول العربية، من شأنه أن يعزز عائدات بلداننا من التجارة العالمية، إلا أن هذا يحتاج إلى جهود سلطات الموانئ أيضاً في الدول المتجاورة، وتعزيز التسهيلات في موانئها. وتحظى الأبعاد الاقتصادية والأمنية في هذا المجال، باهتمام الأوساط المشتغلة في الجوانب الاستراتيجية، ولهذا فإن بناء القدرات ودورات التدريب للمشتغلين في هذا الحقل وتوفير الأجهزة لهم، وكل ما يتعلق بهذا المجال، يحتاج إلى اهتمام متزايد.

إن منطقتنا العربية تحتاج إلى بناء رؤية مشتركة لأمن الملاحة البحرية، وتجنب النزاعات بهذا الشأن. كما أن ممرات التجارة البحرية الآمنة، ومناهضة الإرهاب والقرصنة، وتوفير المساعدات الإنسانية الخاصة في حالة الكوارث، والحلول السلمية للخلافات في المياه الإقليمية، كلها تحتاج إلى معالجات شاملة ومتوازنة، توفر الأمن والسلامة للملاحة الإقليمية والدولية.

وذلك لن يتأتى إلا من خلال مبادرات دولية بهذا الشأن. ومن البديهي أن قدرتنا على رسم بيئة آمنة للملاحة البحرية، تتطلب تنمية مصداقية دولنا العربية، من خلال تقوية حضورها في المياه الإقليمية في سبيل الدفاع عن مصالحها المشتركة. إن عقيدة مثابرة ومرنة في مجال أمن الملاحة البحرية، أمر ضروري لحماية مصالح دولنا الوطنية.

وللدول العربية تاريخ وباع طويل في مجال الملاحة البحرية، ويجب استعادة هذه المكانة من خلال تأمين مياهنا الإقليمية، وأن يكون ذلك جزءاً من الاهتمامات الأساسية للدول العربية، بما يؤمن تعاوناً وثيقاً في ما بينها، وأن يحتل جزءاً مهماً من السياسات الخارجية لهذه الدول، من أجل مبادرة دولية لتأمين الملاحة البحرية.

 

 

Email