مصر والمجلس العسكري هل هو امتداد للعهد السابق؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

بقرار أحادي، حدد المجلس العسكري في مصر الثامن والعشرين من نوفمبر المقبل موعداً للانتخابات البرلمانية. لكن البيان الرسمي الصادر عن المجلس في هذا الشأن، لم يتضمن قراراً آخر بإلغاء قانون الطوارئ.

 وعلى هذا النحو يبرز سؤال فوري: كيف تجرى انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، في ظل قانون استثنائي ينطوي جوهرياً على كبت الحريات المدنية بكافة أشكالها، ويوفر للسلطات الأمنية والعسكرية صلاحيات مطلقة للاعتقال التعسفي، بما يسمح للسلطة العليا الحاكمة باتخاذ إجراءات وتدابير تتيح لها ممارسة عمليات للتزوير الانتخابي على أوسع نطاق؟

لكن هناك التساؤل الأكبر: بأي حق يفرض المجلس الأعلى للقوات المسلحة نفسه وصياً على شعب أشعل ثورة عارمة من أجل تغيير ديمقراطي شامل؟

مع اشتداد اللهيب الثوري وبلوغه أعلى ذراه ضد نظام الرئيس السابق، اضطر رئيس الجمهورية إلى التنحي. وهنا وقع التباس، فبدلاً من انتقال سلطة الحكم إلى القيادة السياسية الشعبية التي قادت الثورة الشعبية، قام الرئيس بتسليم مقاليد السلطة إلى قيادة الجيش تحت مسمى "المجلس الأعلى للقوات المسلحة".

لقد كانت ثورة "25 يناير" موجهة، ليس فقط ضد شخص رئيس النظام، وإنما أيضاً ضد مؤسسات النظام ورموزه. وهكذا بقيت القوى القيادية للثورة حيث بدأت، أي مرتهنة إلى الشارع فقط. وهكذا أيضاً نشأ حالياً تصارع سياسي بين قيادات الثورة وما تحالف معها من أحزاب من ناحية، والمجلس العسكري من ناحية أخرى، تمارس فيها السلطة العسكرية منهج الكر والفر.

يتخذ المجلس العسكري إجراءً ما يتناقض مع أهداف التيار الثوري، وعندما تشتعل المشاعر الشعبية وتنطلق الجماهير عائدة إلى ميدان التحرير لتجديد الزخم الثوري منذرة بفوران كاسح، يتراجع العسكريون مؤقتاً من قبيل الاستعداد لاتخاذ إجراء استفزازي آخر.

أحدث جولات الكر والفر تتعلق بقانون لتنظيم الانتخابات البرلمانية أصدره المجلس العسكري، من شأنه إتاحة الفرصة لرجال حزب مبارك، بطريقة غير مباشرة، لدخول المنافسة الانتخابية. وعلى الفور جاء رد الفعل بتجدد الزخم الثوري، مما اضطر العسكريين إلى تراجع نسبي، بعد أن توافقت عشرات الأحزاب السياسية على مقاطعة العملية الانتخابية.

وفي اجتماع كبير جمع ممثلا للمجلس العسكري مع قيادات الأحزاب، وافق العسكريون على تعديل القانون الانتخابي. ويشمل التعديل تحديداً المادة الخامسة من القانون، بما يسمح للأحزاب بالتقدم بمرشحين لشغل ثلث المقاعد البرلمانية التي كانت مخصصة لمستقلين.

الأحزاب التي شاركت في الاجتماع تنتمي إلى "التحالف الديمقراطي"، الذي يضم 30 حزباً أبرزها جماعة "الإخوان المسلمين" وحزب الوفد. والمادة الخامسة من القانون التي يعترضون عليها بصفة خاصة، تنص على انتخاب ثلثي البرلمان عبر نظام القوائم النسبية، بينما يشغل الثلث الآخر من ينتخبون "كمستقلين".

إذن، فإن الموافقة الفورية للعسكريين على التعديل، جاءت كنتيجة لما واجههم من ضغط شعبي. لقد تراجعوا تحت ضغط من الصعب أن يقاوم، فما الضمان لاستمرار التزامهم عندما يتراءى لهم لاحقاً أن حدة الضغط قد خفت؟

إن ما يضاعف من التشكك في نوايا المجلس العسكري، هو ازدواج موقفه في ذلك الاجتماع مع ممثلي الأحزاب. لقد وافق كما رأينا على إلغاء المادة التي تسمح بطريقة غير مباشرة لأعضاء حزب مبارك بالمشاركة في العملية الانتخابية كشخصيات مستقلة، لكنهم لم يوافقوا على طلب الأحزاب بتفعيل قانون آخر، يحظر على السياسيين الفاسدين الترشح للمناصب العامة لمدة عشر سنوات.

وفي هذا الصدد أصدر المجلس العسكري بياناً بعد الاجتماع، جاء فيه أن المجلس قرر "دراسة" إصدار تشريع لحرمان قيادات الحزب الوطني المحلول الحاكم إبان عهد مبارك، من مباشرة الحقوق السياسية. ولا أحد يدري كم من الوقت سوف تستغرق هذه "الدراسة"، وإلى ماذا سوف تنتهي.

الوضع في إجماله غامض، لأن بدايته كانت غموضاً. فعندما سلم مبارك مفاتيح السلطة لمجموعة الجنرالات، فهمت جماهير الثورة وقيادتها شيئاً وفهم الجنرالات شيئاً آخر.

لقد تراءى للجماهير والقيادات الشعبية، أن هذه الخطوة الدرامية هي بداية النهاية للنظام الذي من أجل إسقاطه وتصفيته تفجرت الثورة، بينما رأى طاقم الجنرالات أنفسهم كأنهم امتداد طبيعي للسلطة العليا للنظام، باعتبار أنهم قادة جيش الرئيس مبارك.

وهكذا ومنذ الوهلة الأولى بدأت تتشكل حالة "سوء فهم" بالمعنى المسرحي، صار من المحتم أن تفضي إلى صدامات متتالية. ومع تجدد الفوران الثوري من حين لآخر، صار المجلس العسكري يبدي قدراً من المرونة الوقتية التي تعكس تكتيك الكر والفر، أكثر مما تعكس قناعة نهائية بالثورة وأهدافها، ولذا رأينا العسكريين يتعاملون مع القيادات السياسية المدنية من موقع وصاية.

الوضع الحاضر لا يزال إذن غامضاً بحسابات رؤى المستقبل، ولن يزول هذا الغموض إلا إذا تبلور اتفاق جدي وصارم بين تحالف الأحزاب والمجلس العسكري، على جدول زمني محدد لانتقال السلطة من العسكريين إلى الحكم المدني.

 

Email