هل تلاشى عهد أوسلو؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

بلجوئه رسمياً إلى هيئة الأمم المتحدة معلناً قيام دولة فلسطين، ومقدماً طلباً إلى الأمين العام للمنظمة الدولية لانضمام الدولة الفلسطينية إلى عضوية المنظمة، يكون محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية، قد أسقط نظرياً اتفاق أوسلو المبرم في عام 1993 بين منظمة التحرير وإسرائيل.

فهل سيواصل الرئيس عباس التصرف إزاء الدولة الإسرائيلية كما لو كان عهد أوسلو قد تلاشى وانتهى رسمياً؟ تاريخ حركات التحرير في أي بقعة في العالم، يفيدنا بأن اللجوء إلى الدبلوماسية العالمية متعددة الأطراف أو الدبلوماسية الثنائية بين حركة التحرير والسلطة الاستعمارية الأجنبية، يمثل أداة نضالية نافعة لفرض تحرير الأرض. لكن نجاح النضال الدبلوماسي، سواء على المستوى العالمي أو المستوى المحلي التفاوضي، أو عدم نجاحه، يعتمد أساساً وبالدرجة الأولى على ما يجرى على الأرض.

ففي غياب حركة كفاحية فاعلة على أرض الواقع، لن ترى الإدارة الاستعمارية الاحتلالية سبباً وجيهاً للرضوخ للمطلب النضالي.. ولن ترى هيئات المجتمع الدولي سبباً لدعم حركة وطنية زاهدة في العمل النضالي. من وجهة النظر الإسرائيلية، وضع اتفاق أوسلو نهاية للقضية الفلسطينية.

فقد كان لموافقة منظمة التحرير بقيادة ياسر عرفات على إلغاء وتمزيق ميثاق المنظمة، الذي ينص على الكفاح المسلح كنهج لا غنى عنه لتحرير الأرض، أكثر من دلالة رمزية. من أوسلو انطلقت القضية على طريق طويل، لا يقود إلا إلى سراب يحسبه الظمآن ماءً.

هذا هو الاستخلاص النهائي لنحو 18 عاماً متصلة من التفاوض العقيم. من خلال التدبير الإسرائيلي، كانت العملية التفاوضية غطاءً إسرائيلياً للتوسع في عمليات الاستيطان، حتى يستكمل مشروع تهويد الأرض الفلسطينية. وفي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أتى الرئيس عباس على ذكر هذه الحقيقة، ربما للمرة الأولى.

فقد قال أمام ممثلي العالم، إن الاحتلال الإسرائيلي «يسابق الزمن لرسم الحدود في أرضنا وفق ما يريد، ولفرض أمر واقع على الأرض يغير حقائقها وشواهدها، ويقوض الإمكانية الواقعية لقيام دولة فلسطين». لكن المشروع الاستيطاني التهويدي القائم لم يبدأ بين ليلة وضحاها، فهو يمتد زمنياً منذ لحظة إبرام اتفاق أوسلو على مدى عقدين حتى الآن. وبعيداً عن توقفه أو تجميده، فإنه يتوسع بخطى مرسومة متسارعة.

مع ذلك يؤكد الرئيس الفلسطيني للعالم، على تمسك منظمة التحرير والشعب الفلسطيني بـ«نبذ العنف». بل ويذهب أبعد من ذلك، مؤكداً أيضا على التمسك بجميع الاتفاقات الموقعة بين المنظمة وإسرائيل. وبالطبع فإن الإشارة الضمنية إلى أوسلو واضحة.هنا يوجد تناقض: فلماذا يلجأ الرئيس الفلسطيني إلى الأمم المتحدة، بينما هو ملتزم بالاتفاقات الموقعة مع إسرائيل؟ وهو تناقض يفرز تساؤلاً كبيراً: هل لجوء رئيس السلطة الفلسطينية إلى المنظمة الدولية، ينطلق من استراتيجية فلسطينية ثابتة أم أنه مجرد «تكتيك» وقتي؟

وحتى لو افترضنا أن لقيادة السلطة الفلسطينية استراتيجية محددة ونافذة، فإن إعادة الاعتبار لنهج الكفاح المسلح ليست ضمن هذه الاستراتيجية. وفي هذا الصدد، فإن رجال السلطة يقولون إن لديها ثلاثة خيارات للمرحلة المقبلة. يقول نبيل شعث، الذي رافق الرئيس عباس في رحلته إلى نيويورك مقر الأمم المتحدة، إن هذه الخيارات كما يلي:

ــ في حال عدم حصولنا من مجلس الأمن الدولي على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، سنعمل على تقديم طلب لرفع مكانة فلسطين من منظمة مراقبة إلى دولة مراقبة، وسنحصل على عضوية جميع وكالات الأمم المتحدة ومؤسساتها. سنقدم طلب رفع مكانة تمثيل فلسطين في وقت سريع، في حال لاحظنا أن هناك عملية تأخير ومماطلة في التصويت على الطلب الفلسطيني المقدم إلى مجلس الأمن.

ــ العودة إلى المفاوضات مع إسرائيل. لكن مساعدي الرئيس عباس يرون أن فرصة تحقيق هذا الخيار شبه معدومة، لرفض إسرائيل وقف الاستيطان واعتماد حدود عام 1967 مرجعية للعملية التفاوضية.

ــ تسليم مفاتيح السلطة الفلسطينية لإسرائيل، فأمام انغلاق الأفق يصبح انهيار السلطة أمراً واقعياً. وهذه ليست استراتيجية، إنها «لا استراتيجية»، لأن القيادة الفلسطينية، بمراهنتها على هيئة الأمم المتحدة كمرتكز أساسي لتحركها، إنما تستبعد عملياً أي دور للشعب الفلسطيني.

إن الواجب النضالي الأول لتحرير الأرض من الاحتلال والاستيطان، هو تحشيد قوى الشارع الفلسطيني، وأن تتحد قيادات كل الفصائل استعداداً للنزول إلى الشارع واقتداءً بثورات الربيع العربي. ليس معنى هذا بالضرورة أن يلغي الرئيس عباس تحركه على صعيد الأمم المتحدة، فهذا التحرك يمكن أن يسير على خط متوازٍ مع تفاعلات ثورة الشارع الفلسطيني.

 

 

Email