«لا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي»

ت + ت - الحجم الطبيعي

"لا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي"، عبارة قالها المرحوم ياسر عرفات من على منبر الأمم المتحدة سنة 1974، مخاطبا الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، وبذلك البشرية جمعاء والضمير الإنساني. خطب عرفات مرافعا للدفاع عن قضية عادلة لا تشوبها شائبة، وتخص الحق الشرعي لشعب يطالب بأرضه المغتصبة. لكن الغطرسة الإسرائيلية والأميركية أصرت وما زالت تصر، على "إسقاط الغصن" والقضاء على كل مسعى للحرية والاستقلال والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني ليعيش حرا طليقا كباقي شعوب المعمورة.

بعد 37 سنة من خطاب المرحوم ياسر عرفات، وقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس ليخاطب العالم والضمير الدولي من نفس المنبر، وأمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، من أجل الاعتراف بحق طبيعي وشرعي لشعب يريد أرضه وسيادته ليعيش كباقي شعوب العالم. الرئيس الفلسطيني قدم طلبا رسميا لعضوية فلسطين في منظمة الأمم المتحدة، وفق مبادئ وأعراف وقانون المنظمة نفسها.

 لكن الرئيس باراك أوباما، ومن خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، رافع مدافعا عن الغطرسة الصهيونية وعن الكيان الذي اخترق وضرب عرض الحائط أكثر من 38 قرارا، تم اتخاذها من قبل الأمم المتحدة لإدانة الكيان الصهيوني بالاستعمار والعنصرية والخروج عن القانون والأعراف الدولية.

ما حدث مؤخرا في الأمم المتحدة، يعتبر خطوة نوعية للقضية الفلسطينية، وخطوة جاءت في الوقت المناسب وبالتوازي مع التطورات الأخيرة التي يشهدها الشارع العربي. فمعادلة العلاقة السابقة بين بعض الأنظمة العربية والكيان الصهيوني، عرفت منعطفا هاما ولم تعد الأمور كما كانت، وما شهدته السفارة الإسرائيلية مؤخرا في القاهرة لخير دليل على ذلك. فهناك ربيع عربي، ويبدو أن هناك ربيعا فلسطينيا يريد أن ينتفض ويحدث القطيعة مع الماضي ومع الطرق والسبل والوسائل التي لم تجد نفعا لعقود من الزمن، مع كيان لا يعرف إلا الغطرسة والقتل والبطش.

طلب الرئيس أبو مازن لعضوية فلسطين في الأمم المتحدة، أزعج أوباما أكثر من نتانياهو والمسؤولين الإسرائيليين، ما أدى بالرئيس الأميركي إلى التهديد باستعمال الفيتو، حيث أكد مرارا على أن حل القضية الفلسطينية يمر عبر المفاوضات. وأوباما أدرى من غيره بأن المفاوضات لم تنفع في شيء، ولم تسفر عن شيء، رغم استمرارها لأكثر من ستين سنة.

استخدام الفيتو ليس جديدا على أميركا والرؤساء الأميركيين، حيث ان الولايات المتحدة الأميركية استعملت حق النقض "الفيتو" 42 مرة خلال العقود الستة الماضية، ضد المطالب الفلسطينية ومشاريع القرارات الفلسطينية والعربية التي تدين الكيان الصهيوني.

ما يقلق أوباما هذه المرة هو كشفه عن حقيقته، والكشف عن التناقضات التي أصبحت تلازم تصريحاته وأقواله وأفعاله. فالرئيس الأميركي كثرت وعوده وأقواله، لكن أفعاله قلت وجاءت في غالب الأحيان متناقضة تماما مع تصريحاته. فعند مجيئه إلى سدة الحكم قدم وعودا كبيرة، مفادها إحداث تغييرات جذرية على صعيد السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وحل القضية الفلسطينية بتطبيق مبدأ الدولتين ...الخ.

لكن مع مرور سنواته الثلاث الأولى في السلطة، انكشفت نواياه، وظهر في نهاية المطاف أنه لم يختلف عن الرئيس بوش الابن وغيره من الرؤساء السابقين لأميركا، في التعامل مع القضية الفلسطينية والسلام في الشرق الأوسط. ويبدو أن أوباما بدأ ينشغل بحملته الانتخابية القادمة أكثر من غيرها، وحساباته بطبيعة الحال تركز على اللوبي اليهودي وقوة نفوذه في تحديد من يفوز بالرئاسيات في أميركا.

الملاحظ أن أوباما وناتنياهو لم يأخذا بعين الاعتبار التطورات الأخيرة التي طغت على الشارع العربي، وأن التواطؤ الذي كان يحدث بين بعض الأنظمة العربية والكيان الصهيوني وأميركا، أصبح من سجلات الماضي، وأن الرأي العام العربي أصبح يمارس ضغوطا معتبرة لإعادة النظر في علاقة السلطة بالشعب.

وفي صناعة القرارات وفي العلاقات مع الدول. فبالنسبة للقضية الفلسطينية، أصبح التخلي عن المفاوضات الفارغة أمرا مفروغا منه، مع تأكيد ضرورة اللجوء إلى مخاطبة الرأي العام الدولي، سواء من خلال المظاهرات والانتفاضات أو من خلال المنظمات الدولية، لتحقيق مطالب الشعب الفلسطيني.

الموقف السلبي للرئيس الأميركي من الطلب الفلسطيني، وتأكيده على استخدام الفيتو، تناقض صارخ بين خطاب القاهرة والمطالبة بدولتين. وانحياز أميركا لإسرائيل ورفضها طلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، سيقضيان على مصداقية إدارة أوباما بشأن مساعيها نحو الحل القائم على مبدأ الدولتين، وادعائها الاهتمام بالسلام والأمن في الشرق الأوسط.

ومع أن استخدام الفيتو ليس جديدا على التحالف الأميركي ـ الإسرائيلي، حيث ان أرشيف الأمم المتحدة يشير إلى السجل الحافل لحق النقض الذي اتخذته أميركا ضد مطالب الفلسطينيين والعرب، إلا أنه يؤكد من جديد، صدق من قال إن الرؤساء في أميركا يتغيرون لكن سياسة أميركا إزاء القضية الفلسطينية لا تتغير، ولا فرق بين الجمهوريين والديمقراطيين.

ووعود أوباما قد اتضحت جليا، سواء بالنسبة للصراع العربي/ الإسرائيلي وللقضية الفلسطينية، أو بالنسبة لوعوده بشأن إغلاق سجن غوانتنامو أو بالنسبة للحرب في العراق وأفغانستان أو بالنسبة لسياسته إزاء الإرهاب ومحاربته.

نجاح دبلوماسي كبير حققه الرئيس الفلسطيني الأسبوع الماضي في المنظمة الأممية في نيويورك، حيث إن مواقف أميركا لم تتغير ووعود أوباما أصبحت واضحة للعيان. فأميركا لا تريد أن تناقض نفسها، فقبل شهور ألقى الرئيس أوباما خطابا وجهه إلى دول الربيع العربي، واعترف فيه بحتمية وضرورة قيام الدولة الفلسطينية، مؤكدا أنه كي يكون سلام دائم يجب أن تكون هناك دولتان لشعبين. لكن مع الأسف الشديد، عندما طالبت فلسطين بعضوية كاملة في الأمم المتحدة، سارع أوباما للتهديد باستعمال الفيتو.

خرجت أميركا من الدورة الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة، خاسرة مصداقيتها وسمعتها، وزادت من هموم صورتها المهزوزة في العالم. أما بالنسبة لإسرائيل فالأمور قد اتضحت أكثر فأكثر بالنسبة للرأي العام الدولي، حيث إن التصفيق الحار الذي حظي به أبو مازن، سواء في بداية خطابه أو في نهايته، يدل على أن معطيات القضية الفلسطينية قد تغيرت في أذهان قادة وشعوب العالم.

وأن الأمور تسير في اتجاه إيجابي بالنسبة للفلسطينيين. ففشل المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، يعود بالدرجة الأولى إلى الانفراد الأميركي بالقضية، وازدواجية المعايير التي قامت على دعم وحماية الكيان الصهيوني، مقابل الضغط على الفلسطينيين وابتزازهم وإجبارهم على التخلي على حقوقهم والعيش في ظل غطرسة وهمجية الكيان الصهيوني.

 

 

Email