ثلاثة مسلسلات بلا حلقة أخيرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

الوضع في سوريا.. والحالة في اليمن.. وليبيا ما بعد القذافي.هذه ثلاثة مسلسلات عربية تتوالى حلقاتها اليومية لمدى شهور متصلة، دون أن يستطيع أحد مهما أوتي من نفاذ البصيرة، أن يتنبأ بموعد الحلقة الأخيرة ومآل الختام.

كل من النظامين السوري واليمني يحكم قبضته على سلطة لا يعتزم التنازل عنها، أو حتى المساومة عليها. ورغم أن القذافي فقد السيطرة على سلطته، إلا أنه لا يزال يصر على القتال من أجل استردادها.

والسؤال الذي يُطرح هو: هل نستطيع أن نفترض في الحالتين السورية واليمنية، أن شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" سوف يتحقق عند نقطة تاريخية ما كاستحقاق حتمي؟ وما هي ملامح الوضع الجديد إذا سقط النظام فعلاً؟

أما في الحالة الليبية فإن الافتراض الواقعي والمعقول، هو أن نهاية القذافي باتت مسألة وقت فقط، رغم أن أمد القتال بين قواته وقوات الثوار قد يطول.

مع ذلك يبقى سؤال: هل تنعم ليبيا ما بعد القذافي بالاستقرار السياسي المنشود؟

لنأخذ كلا من الحالات الثلاث على حدة.

النظام في سوريا، يعتمد في بقائه بحسابات الحياة أو الموت، على تنظيم حزب البعث. وهو تنظيم أخطبوطي يستمد شراسته في هيمنته، ليس فقط على الجيش وأجهزة الاستخبارات، بل أيضا على كافة مناحي الحياة اليومية، من خلال شبكة أمنية واسعة النطاق. يضاف إلى ذلك احتكاره شبه الكامل للعمل السياسي.

واستناداً إلى هذا الوضع فإن قيادات الحزب يعتقدون ـ وهو اعتقاد ليس غير معقول ـ أن قبولهم بأي مصالحة سياسية في إطار نظام سياسي تعددي، سيكون بمثابة انتحار، بالنظر إلى تاريخ الحزب الطويل المتهم بالقمع وممارسة الفساد عن طريق استغلال أجهزة الدولة.

هذا ما يفسر لنا ذلك النهج الوحشي الدموي، الذي تستخدم السلطة من خلاله قوات الجيش وعصابات "الشبيحة"، في التصدي للمظاهرات اليومية في المدن السورية بالرصاص الحي. وقد دخل عدد قتلى المظاهرات خانة الألوف.. وهو مرشح للزيادة بمعدل أسرع.

وهنا يبرز تساؤل: ما سر تلك الطمأنينة التي تستشعرها هذه السلطة، باستبعادها احتمال تدخل عسكري في المعترك السوري من قبل الغرب أو المجتمع الدولي بصورة عامة، كما جرى في الحالة الليبية؟

حكومات الغرب مترددة، إما لأنها لا تعرف إن كان هناك على صعيد المعارضة السورية، تنظيم يملك الاستعداد للاستيلاء على السلطة في حالة انهيار النظام البعثي، وطبيعة التوجه السياسي لهذا التنظيم إذا وجد. ويخشى الغرب بصفة خاصة، أن يؤول أمر السلطة عند نهاية المطاف إلى تنظيم إسلامي متطرف.

في اليمن ـ كما في سوريا ـ لا تزداد مظاهرات واحتجاجات الشارع إلا زخماً، مع إصرارها على المطالبة بإقصاء الرئيس صالح وأسرته عن السلطة، بينما لا تتوانى السلطة عن استخدام قوات حكومية وميليشيات (بلاطجة)، على نهج قتالي مطلق كما هو الحال في سوريا.

ورغم تواصل فوران الشارع في العاصمة صنعاء وغيرها، لم تخرج من بين صفوف جماعات الشباب التي تنظم وتقود المظاهرات، قيادة كارزمية ذات برنامج سياسي محدد. يضاف إلى ذلك أن الغرب أيضاً لا يجد بديلاً مقبولاً لديه عن الرئيس صالح.

وحتى لو افترضنا أن الأزمة اليمنية الراهنة سوف تنتهي على نحو أو آخر، فإن المستقبل لا يبشر إلا باندلاع صراعات تتمثل في تجدد قضية الحوثيين في شمال البلاد، وخطر تنظيم "القاعدة"، ومطالبة الجنوب اليمني بالانفصال التي يتبناها "الحراك الجنوبي".

في ليبيا يُخشى من اندلاع صراعات أيضا. وعلى خلفية انقسام تنظيمي داخل "المجلس الوطني الانتقالي"، حول تشكيل السلطة في ليبيا ما بعد القذافي، فقد نشأت منذ الآن مجادلات أيديولوجية بين قوى مختلفة تشمل جماعات إسلامية وقومية وليبرالية، حول الرؤى السياسية بشأن المستقبل الليبي.

وتبقى الأسئلة المطروحة معلقة في الهواء بشأن مصير كل من المسلسلات الثلاثة.

في وجه عمليات القتل الجماعي التي ترتكبها السلطات في كل من سوريا واليمن، يصر معارضو الشارع على سلمية التظاهر. والسؤال هو: هل يأتي يوم يتوصل فيه الشارع إلى قناعة نهائية بالتحول إلى العنف المسلح؟

وثمة سؤال ثانٍ: هل يتحول الجدال السلمي في ليبيا ما بعد القذافي إلى عنف مسلح؟ وهل تتجاوب جماعات الثوار المنهمكة حالياً في القتال ضد قوات القذافي، مع أي دعوة لجمع السلاح بعد تحقيق الانتصار على قوات العقيد المخلوع؟

 

 

Email