عشر سنوات على أحداث سبتمبر فماذا تغير؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل أصبح العالم أكثر أماناً واستقراراً؟ وهل استطاعت القوى الفاعلة في النظام العالمي أن تحتوي الإرهاب وتطوقه؟ هل استطاعت أن تعالج أسبابه؟ أم أن الأمر زاد سوءاً وتعقيداً؟! بعد مرور عشر سنوات على أحداث 11 سبتمبر، ما زالت إشكالية معالجة ظاهرة الإرهاب مطروحة وبحدة، وبعد كل الطرق والسبل والاستراتيجيات، ها هي أميركا تعود إلى نقطة الصفر لتحارب الإرهاب بالقوة وبالطرق الردعية، التي تزيد من تفاقم المشكلة أكثر من معالجتها.

تواجه أميركا والدول الأوروبية مشاكل عدة في التعامل مع الإرهاب ومعالجته، حيث كشفت محاولة النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب، لتفجير طائرة متجهة من أمستردام إلى دترويت باستخدام مادة متفجرة، الفشل الذريع لهذه الدول في كيفية وسبل تعاملها مع احتواء الإرهاب والقضاء عليه. فالأمر لا يتطلب تصعيد «الإسلاموفوبيا» وترهيب البشر من أي شيء له علاقة بالإسلام.

ولا يتطلب عسكرة المطارات وتدجيجها بالأسلحة والعسكر ورجال الأمن. ما لم تفهمه أميركا وحلافاؤها في الغرب، هو أن الإرهاب ظاهرة سكنت العقول قبل أن تترجم إلى أعمال إجرامية، وأنه فكر وأيديولوجية، ونتاج ظلم وسلب للحقوق ومشاكل وتجاوزات.

الإرهاب ظاهرة نفسية، سيكولوجية، اجتماعية ومرضية، يجب أن تعالج بطريقة منهجية بعد تشخيص الداء ووصف الدواء. بعد محاولة الشاب النيجيري الفاشلة، سارعت أميركا مباشرة إلى وضع قائمة بعدد من الدول العربية والإسلامية لمراقبة ومضايقة رعاياها في مطاراتها.

مضايقة الركاب لا تعالج مشكلة الإرهاب ولا تحلها، فالأمر يتطلب دراسة متأنية لأسباب الإرهاب والعوامل التي تؤدي إلى نموه وانتشاره. فبعد أزيد من عشر سنوات ما زالت أميركا لم تتعلم الدرس، وما زالت تعالج الإرهاب بالإرهاب، وعادت إلى نقطة البداية.

أهم ما يميز الإرهاب في نهاية القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة، هو تدويل الظاهرة عبر التعاون الدولي بين العديد من المجموعات الإرهابية، وكذلك إقامة شبكات قوية عبر القارات لهذه المجموعات، من أجل التمويل والتدريب وتوفير الوسائل اللوجيستية والأسلحة والأموال وغيرها.

ستبقى أحداث 11 سبتمبر 2001، من دون أدنى شك، الحدث الإرهابي الأهم في هذا القرن، نظراً لعدة اعتبارات، من أهمها عدد الضحايا، وطريقة التنفيذ، ودقة التخطيط، والبلد المستهدف وهو الدولة الأعظم والأقوى في العالم. دلالات أحداث 11/9 تشير إلى قراءة جديدة للإرهاب في القرن الحادي والعشرين.

حيث إنه يهدد ويصل إلى أي دولة في العالم، بغض النظر عن قوتها وحجمها وخبرتها في الأمن القومي والدفاع عن نفسها. فالرسالة واضحة، وهي أنه لا توجد دولة في العالم بمنأى عن الإرهاب. فقد ضرب الإرهاب في السنوات الأخيرة الهند (البرلمان، وفنادق ومحطة القطار في مومباي)، إندونيسيا (بالي)، بريطانيا (مترو الأنفاق في لندن)، إسبانيا (القطار في مدريد). أما مركز العمليات الدولي للإرهاب هذه الأيام، فهو يتمحور بين باكستان وأفغانستان.

وتصدر أميركا سنوياً قائمة بالدول التي ترعى الإرهاب، حسب معاييرها ومقاييسها ووفق تطور علاقاتها مع هذه الدول بالسلب أو بالإيجاب، وهذه القائمة يتبناها العديد من الدول (مقتنعة بذلك أم مرغمة). وهذه القائمة يعلن عنها في عالم لم يستطع وضع مفهوم للإرهاب، ولم يتفق على معايير موضوعية تحدد ما هو الإرهاب.

وهكذا أصبح الإرهاب متغيراً أساسياً في العلاقات الدولية، وأصبح أداة في يد الدول الفاعلة في النظام الدولي لتحقيق مصالحها وأهدافها. وعملاً بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة، فهناك العديد من الدول (بعضها يدعي الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان)، يستعمل الإرهاب كجهاز وإدارة مثل مؤسسات الدولة الأخرى، لكن في السر والخفاء. يقول الدكتور عبيدات في هذا الشأن:

«إن فهم ظاهرة إرهاب الدولة، يتطلب فهم أجهزتها الاستخباراتية التي تقوم سراً بما عجزت عن تحقيقه الدولة علناً، أو الذي لا ترغب الدولة بأن يُنسب إليها مباشرة كتمويل بعض المنظمات الموجودة في دول أخرى، لاستخدامها كوسيلة للتخريب أو الضغط، أو للتصفيات الجسدية كما عملت فرنسا حينما دعمت منظمة «الجيش السري» لتفتك بحركة التحرير الوطني الجزائرية».

يكتسي الإرهاب اليوم أهمية كبرى في المحافل الدولية والعلاقات بين الشعوب والأمم، وأصبح أداة استراتيجية من أدوات السياسة والدبلوماسية والعلاقات الدولية. لقد غيرت أحداث سبتمبر 2001 مفهوم التاريخ والأمن القومي والاستراتيجي، ومنذ ذلك الحين أصبح الإرهاب يرتبط بأنه لا أحد في هذا الكون بمنأى عنه، والأخطر من هذا أن الخوف الآن يرتكز حول إمكانية استخدام أسلحة الدمار الشامل من قبل المجموعات الإرهابية.

ما زاد المشكلة تعقيداً وخطورة، هو أن نظرة الولايات المتحدة للإرهاب ومكافحته نظرة ضيقة، مركزية الذات والهوية، ذات أبعاد محلية وداخلية، بعيدة عن الموضوعية والبعد الدولي. فالإرهاب لا يتحدد في أسامة بن لادن والقاعدة، ولا ينتهي عند طالبان، كما أن محاربة الإرهاب بالإرهاب لا جدوى منها.

أضف إلى ذلك أن القوى العظمى في النظام العالمي، لا ترى في حلول الإرهاب الأسباب والجذور، بل تركز على القشور وعلى الانعكاسات والنتائج والحلول التجميلية الظرفية، التي سرعان ما تختفي ويعود الإرهاب من جديد كالنار من تحت الرماد. ما يعني أن المنظومة الدولية والدول الفاعلة في النظام الدولي، مطالبة بإعادة النظر في التعامل مع الإرهاب، وعقد مؤتمر دولي صريح وموضوعي وهادف، من أجل أمن واستقرار البشرية جمعاء، ومن أجل التعاون والتكامل، بدلاً من الصراعات والنزاعات التي توفر الأرض الخصبة لانتشار الإرهاب وعدم القدرة على مكافحته.

ما يجري هذه الأيام في فلسطين وفي العراق وفي أفغانستان وفي باكستان، يوحي بمؤشرات خطيرة جداً تغذي وتضاعف فرص انتشار الإرهاب في العالم، عندما يسوده الاستبداد والظلم وانعدام العدالة والمساواة في العلاقات الدولية وفي المنظمات الدولية.

فما يجري في فلسطين هو تكريس وتشريع الظلم، بتواطؤ الدول الفاعلة في النظام الدولي التي تتغنى بحقوق الإنسان وبمحاربة الإرهاب. ما وعد به الرئيس أوباما عند مجيئه إلى سدة الحكم، لم يخرج عن نطاق أدبيات العلاقات العامة والدبلوماسية وكياسة الوعود والكلام المعسول.

فالوضع ما زال على حاله، وشعوب كثيرة في العالم ما زالت تعاني الفقر والجهل والظلم ومصادرة الحقوق، بما فيها الحق في العيش وفي الوطن. فالإرهاب هو أسوأ وسيلة يلجأ إليها الإنسان عندما تفشل الوسائل الحضارية الأخرى، كالمفاوضات والمطالب عبر القنوات الشرعية كالمنظمات والمحاكم الدولية، وعندما تبقى الأمور على حالها والعالم يتفرج ولا يحرك ساكناً.

ما جناه العالم من 11/9 هو انتشار «الإسلاموفوبيا» والكراهية والضغينة والحقد، والصراع بين الحضارات والديانات، وانتشار الأزمات ومواطن التوتر في العالم، وهذا بتواطؤ وسائل إعلام ابتعدت كلياً عن المهنية والالتزام، وانحازت للتشويه والتضليل والتلاعب بالرأي العام وعقول الجماهير البريئة.

 

Email