تكلفة حروب أميركا أكبر بكثير من الأرقام الرسمية

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع اقتراب موعد بدء أعمال لجنة خفض الديون «الخارقة» في الكونغرس بعد أيام، يجدر بها أن تأخذ في الحسبان تكلفة الحروب بتريليونات الدولارات، والتي يبدو أن لا أحد في واشنطن يرغب في الإقرار بها.

منذ عقود طويلة، والتقديرات الحكومية لتكاليف الحروب، تحاول إغفال كثير من التكاليف الثانوية التي تنشأ عنها، مثل الرعاية الصحية للمحاربين القدامى، أو العشرين مليار دولار التي أهدرت في أفغانستان، ذلك أن المسؤولين يجدون الأرقام الحقيقية محرجة. وعلى سبيل المثال، فإن تقريرا جديدا صادرا عن مكتب الميزانية في الكونغرس، حدد التكلفة الإجمالية للحروب في العراق وأفغانستان بترليون و415 مليار دولار، بناء على المخصصات المالية التي أقرها الكونغرس لتلكما الحربين.

لكن دراسة أكاديمية جديدة أدخلت في حسابها كل التكاليف الأساسية والثانوية، قدرت تكلفة الحربين بحوالي 4 تريليونات دولار، كلها تقريباً جاءت من الاقتراض. وهذا يعادل حوالي 30% من ديون أميركا البالغة 14 تريليون دولار. ويقول مؤلفو الدراسة أيضاً، إن ذلك الرقم لا يتضمن حتى بعض التكاليف التي لا يمكن احتسابها، مثل ميزانيات العمليات السرية لأجهزة الاستخبارات، أو مئات الملايين التي دفعت على شكل «تعويضات وفاة» ارتجالية، لعوائل الأميركيين وبعض الأجانب الذين قتلوا في تلك الحرب.

لكن النتيجة الأكثر إثارة للقلق، بحسب ما خلصت إليه الدراسة، هي أن تلك الحروب قد تكلف أميركا في السنوات المقبلة تريليوني دولار آخرين، على شكل أقساط فوائد على ديون الحرب، واستمرار تكاليف الرعاية الطبية لحوالي 150 ألف جندي سابق مصاب.

كما أسلفت، لا أحد في واشنطن يتحدث عن هذا الموضوع. لا أحد يريد أن يعترف بأن هاتين الحربين ستكلفان أميركا في نهاية المطاف 6 تريليونات دولار أو أكثر، إذا تمت إعادة كل الجنود إلى أرض الوطن الآن (وذلك المبلغ يكفي لتغطية تكاليف الرعاية الصحية لكل المواطنين الأميركيين لمدة سنتين، أو تمويل الحكومة الفيدرالية بالكامل لأكثر من عام ونصف).

ولقد عمل على هذه الدراسة الجديدة التي حملت عنوان «تكاليف الحرب منذ 2001»، خبراء من أكثر من عشر جامعات ومعاهد أبحاث مرموقة، تحت رعاية مجموعة دراسات أيزنهاور في جامعة براون. ومع اقتراب الذكرى السنوية العاشرة لانطلاق حرب أفغانستان، كتب مؤلفو الدراسة أن من الملائم تذكر بعض التكاليف التي ربما قد نسيناها، وتقدير حجم التكاليف التي لم تحتسب من قبل، وما نجم عن ذلك من فرص مفقودة وإمكانيات مجهضة.

ومن المفترض أن تتوصل لجنة الكونغرس «الخارقة» إلى إمكانية توفير 1.5 تريليون دولار، على مدى السنوات العشر المقبلة. لكن عليهم أن يأخذوا في الاعتبار أيضاً، أنهم حتى لو بلغوا هذا الهدف فسوف تستنزف الأموال الموفرة مجدداً، لتغطية تكاليف حروب جديدة شبه مؤكدة. وهناك أيضاً ما هو أسوأ من هذا كله.

فبينما يعكف الخبراء المستقلون على احتساب تكلفة الحرب، نظراً لامتناع الحكومة عن القيام بهذا العمل، يكتشف المدققون الفيدراليون يوماً بعد يوم أنك أينما ذهبت في العراق أو أفغانستان، ستجد عشرات ملايين الدولارات التي يتم هدرها أو سرقتها أو يساء استخدامها. وفي غضون هذه المشكلة العويصة، اكتشف مفتش عام من البنتاغون، أن فرقة الهندسة في الجيش الأميركي المنتشرة في أفغانستان، سمحت لشركة تأمين بالاحتيال عليها بمبلغ 68.4 مليون دولار. وفي منتصف أغسطس الماضي، وجدت وحدة مهام عسكرية أميركية خاصة، أن مبلغ 360 مليون دولار المقتطع من صناديق إعادة الإعمار، انتهى به المطاف إلى أيادي مقاتلي طالبان وقوى معادية أخرى. ولسوء الحظ، فإن هذه كلها باتت تعتبر أموراً عادية في هاتين الحربين الفاشلتين.

ومهما كان الرأي بشأن مبررات شن الحربين، فمن الصعب المجادلة بأنهما تنجحان في تحقيق أهدافهما. ففي الوقت الراهن، تعتبر العراق وأفغانستان اللتان «أنقذتهما» الولايات المتحدة، اثنتين من الدول الأربع الأكثر فساداً في العالم، وهي مشكلة خطيرة تتفشى في كافة مناحي الحياة هناك، بدءا من الأجنحة الرئاسية وانتهاء بكناسي الشوارع.

ولقد لاحظنا أن الأسباب المسوقة لتبرير الحرب، كانت دائماً تتغير بتغير الظروف. لكن في كلتا الحربين، كانت الولايات المتحدة تحاول تأسيس نظام ديمقراطي. والآن تصنف منظمة «فريدوم هاوس» كلا البلدين على أنهما لا يتمتعان بالحرية، وتضعهما في هذا السياق في خانة دول أخرى فاسدة.

وفي أفغانستان، فإن أحد الأهداف الرئيسية التي تسعى الولايات المتحدة لتحقيقها الآن، هو تدريب الجيش والشرطة بحيث يمكنهما الوقوف في وجه طالبان عندما تغادر قوات التحالف تلك البلاد. لكن الدراسة ذاتها التي قام بها مكتب الميزانية في الكونغرس، تحدثت عن استمرار المشكلات نفسها التي أعاقت ذلك المسعى طيلة سنوات، بما في ذلك نقص المدربين، مشكلات الفساد، التغيب عن الدورات التدريبية والأمية. كما سلطت الدراسة الضوء على تقرير حديث لأحد المدققين، يفيد بأن مدربي وزارة الدفاع الأميركية يبالغون كثيراً في تقييم الكفاءات القتالية للجنود الأفغان.

وأشار تقرير لمدقق فيدرالي آخر، إلى أن مدربي الناتو لا يستطيعون حتى تحديد عدد أفراد قوة الشرطة الأفغانية بدقة، مما يثير احتمال أن أكثر من 10 آلاف شخص من الذين يتلقون رواتب من الشرطة، هم في حقيقة الأمر «رجال شرطة أشباح»، أي أنهم لا يترددون على مكان العمل، رغم وجودهم على سجلات الموظفين وتقاضيهم مرتباتهم في نهاية كل شهر، وهذا يعني أيضاً هدر ملايين الدولارات سنوياً.

ليس لدى الولايات المتحدة ما تكسبه من استمرار أي من الحربين، فكل منهما بمثابة حفرة لا قرار لها تبتلع الأموال الأميركية. وإذا أرادت اللجنة الخارقة، البحث عن سبل لتوفير تريليونات الدولارات في السنوات المقبلة، عليها أن تنظر أولاً إلى تكلفة هاتين الحربين.

 

Email