آسيا رافد اقتصادي مهم للولايات المتحدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن قلق أمريكا تجاه التحديات الاقتصادية في آسيا، أمر مفهوم في ظل أن بعض الوظائف في بعض القطاعات الاقتصادية، تقلصت في الولايات المتحدة لصالح الآسيويين، بدءا من قطاع النسيج والملابس بعد الحرب العالمية الثانية، والذي تواصل بعد ذلك ليصل إلى قطاعات استثمارية بأموال ضخمة، مثل الالكترونيات والصلب وبناء السفن. فالنمو الاقتصادي السريع في الصين والهند وكوريا الجنوبية وفيتنام ودول آسيوية أخرى، تلاحظ آثاره السلبية على فرص التوظيف في الولايات المتحدة.

وبصرف النظر عن سياسات التجديد الأمريكية ونظام التفضيل في منح التأشيرات للمهاجرين، والدعم الفظ والمصطنع لقيمة العملة، إلا أنه ما زال هناك الكثير من الأسباب التي تضع التحدي أمام الولايات المتحدة في المنافسة الاقتصادية مع آسيا.

في المقابل، من المهم إدراك أنه على صعيد التجارة والاستثمار الآسيوي في الولايات المتحدة، وحجم الطلاب الآسيويين الذين ينشدون العلم في الجامعات الأمريكية، وفي مجال حركة السياحة وحتى الهجرة الآسيوية، ما زالت تخلق مئات الآلاف من فرص العمل في الولايات المتحدة. إن كل هذه الحقائق تكشف كيف أن التجارة والاستثمار الآسيويين يسهمان من جانب آخر، في خلق فرص عمل في الولايات المتحدة.

وبالعودة للإحصاءات الحكومية للولايات المتحدة، نجد أن مشاريعَ كثيرة تعطي سمعة إيجابية عن التفاعل الأمريكي الآسيوي، وأثره على اقتصاد الولايات المتحدة. وبذلك تظهر الصورة العامة مكاسب كبيرة في الاقتصاد وسوق العمل الأمريكي، بفضل التفاعل الآسيوي الأمريكي.

وقد يكون صحيحا أنه في بعض الحالات هناك عجز في ميزان التبادل التجاري بين أمريكا وآسيا، إلا أنه ليس كذلك في مجال تجارة الخدمات. فإجمالي صادرات البضائع والخدمات الأمريكية إلى آسيا عام 2009، بلغ أكثر من 400 مليار دولار، وفاق التبادل التجاري الأمريكي مع الاتحاد الأوروبي أو غيره.

 وما زال هذا التبادل التجاري يرتفع حجمه بشكل سريع، ويقدر أن حوالي 850 ألف وظيفة في أمريكا، توفرت بفضل الصادرات إلى آسيا، أي أن ثلث القوى العاملة الأمريكية تعمل في مجال هذه الصادرات.

ويقدر أن الاستثمارات اليابانية المباشرة في الولايات المتحدة وفرت 665 ألف فرصة عمل، وكذلك الحال بالنسبة للاستثمارات الكورية، خاصة في مجال صناعة السيارات الجديدة المتنامية بشكل سريع. وكانت الاستثمارات الآسيوية، وخاصة اليابانية والهندية، في الولايات المتحدة تفوق الاستثمارات الأمريكية في هذين البلدين. والاستثمارات الصينية المباشرة في الولايات المتحدة، هي الأخرى تزدهر وستخلق فرص عمل أكثر في المستقبل.

إن ما تحصل عليه الولايات المتحدة من منافع من الآسيويين، يصل إلى ما هو أبعد من فرص العمل والمكاسب الاقتصادية إلى مجالات أخرى، حيث يمثل الآسيويون نصف الطلاب الأجانب الدارسين في الولايات المتحدة، البالغ عددهم 700 ألف طالب. ويقدر معهد التعليم الدولي أن حجم ما ينفقه الطلاب الآسيويون سنويا، يقدر بمبلغ 9 مليارات دولار، كلها تضخ في شريان الاقتصاد الأمريكي.

كما أن بعضا من الدارسين الآسيويين يبقون بعد التخرج في أمريكا، ويقيمون شركات توفر فرصا جديدة في سوق العمل. إن وادي السليكون في ولاية كاليفورنيا، يمثل نموذجا للشركات التي يملكها مولودون في آسيا، ولكنهم حصلوا على تعليمهم في الولايات المتحدة.

إن الولايات المتحدة، شأنها شأن باقي دول العالم، تغلب مصالحها، ولذلك فإن التجارة تحتل الأولوية في اهتماماتها. ومن هنا يأتي نهج تفاعلها الاقتصادي مع الصين، ذلك البلد الذي كان في سبعينيات وثمانينات القرن الماضي، يحاول أن يخرج من عجز اقتصاده الزراعي وعزلته السياسية.

فهل تتخذ الصين من الولايات المتحدة رهينة اقتصادية لها بعد تفوقها عليها؟ وهل يمكن أن يحصل ذلك في ظل التشعبات الأمريكية وثمنا لفتح أبواب أسواقها على مصراعيها للمنتجات الصينية، مما ساعد الصين لأن تكون محطة طاقة لخلق صناعات عملاقة؟

إن مساهمة الآسيويين في إنعاش السياحة في الولايات المتحدة، في تصاعد مستمر، وتثبت وزارة التجارة الأمريكية أن اليابان وكوريا ضمن الدول العشر الأكبر إرسالا للوافدين للسياحة إلى الولايات المتحدة، كما تثبت هذه الأرقام أن الخليجيين والصينيين والهنود، من بين الدول العشر التي سياحها أكثر إنفاقا.

كما أن دول غرب آسيا، وخاصة الخليجية المنتجة لثلث النفط العالمي، تبيع إنتاجها النفطي بالدولار، مما يدعم العملة الأمريكية، إلى جانب مشترياتها من المنتجات الأمريكية، وخاصة العسكرية التي تعزز من قوة مجمع الصناعات العسكرية الأمريكية على الصعيد الاقتصادي.

إن هذا التفاعل الاقتصادي بين الولايات المتحدة وآسيا، سيواصل نموه في السنوات القادمة، وسيساهم في تحسين الاقتصاد وفرص العمل في أمريكا.

 

Email