حكومة نتانياهو في ورطة غير مسبوقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

العملية الكبيرة التي وقعت في إيلات يوم الخميس الماضي، يفترض أنها بالحجم الذي يؤدي إلى سقوط الائتلاف الحكومي في إسرائيل، لكن سخونة الأوضاع في المنطقة ربما تؤجل فضيحة كبرى لحكومة نتانياهو. فبغض النظر عن الجهة التي تقف وراء العملية وبصرف النظر عن توقيتها غير المناسب بالنسبة للفلسطينيين، إلا أنها تقدم دليلاً ملموساً على فشل السياسة الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية.

أكثر من مسؤول إسرائيلي صرح بأن لدى الدوائر الاستخبارية معلومات أو مؤشرات مسبقة، منذ بضعة أشهر عن أن ثمة من يخطط لتلك العملية، لكن أسهل الطرق لتبرير عجز الأجهزة الأمنية، هو ما اعترف به الناطق باسم الجيش حين قال «إنهم فشلوا في إحباطها.

القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي أشارت إلى أن الأردن كان قد حذر الإسرائيليين باحتمال وقوع عملية عسكرية، الأمر الذي يؤكد مرةً أخرى فشل الجهات الأمنية الإسرائيلية حتى في مواجهة المقاتلين الذين نفذوا العملية، فلقد أشارت المصادر الإسرائيلية إلى مشاركة نحو عشرين عنصراً، استشهد منهم حسب الاعترافات الإسرائيلية سبعة عناصر، لكن إسرائيل تتكتم عن مصير البقية.

وعلى نحو آخر يتأكد فشل كل السياسة الأمنية الإسرائيلية، التي وجهت الاتهام واللوم لمصر، بسبب ما تدعي أنه تراخ أو قصور إزاء منع تسلل المقاتلين والسلاح عبر الحدود بين سيناء وفلسطين المحتلة منذ عام 1948.

ثمة من يتوجب عليه أن يسأل حكومة نتانياهو، إزاء مسؤوليتها عن هذا الاختراق، إن كان فعلاً أن المقاتلين اجتازوا حدود سيناء مع إسرائيل، أليست اتفاقية كامب ديفيد وإسرائيل تحديداً هي من يتحمل المسؤولية عن الحال الأمني الذي يسود منطقة سيناء، ثم متى كانت إسرائيل تعتمد على الآخرين، لحماية حدودها؟ أو ليست هذه الحكومة والحكومات السابقة هي من كان عليه أن يدفع ثمن حماية الحدود؟

في الواقع فإن نتانياهو وحكومته في ورطة كبيرة، فعدا عن هذا الفشل الأمني متعدد الأسباب، فإنه يواجه أزمة حقيقية في الداخل، تشكل امتداداً لأزمة النظام الرأسمالي التي لا تزال تتفاقم، وبالتالي هذه الأزمة من النوع الذي لا يمكن إصلاحه أو تجاوزه بأساليب ترقيعية، وهي مرشحة للتفاقم إلى أن تسقط هذه الحكومة أو تجد لها حلاً استثنائياً سيكون مكلفاً إلى حد كبير.

وعلى تواصل مع الأزمة الداخلية تمر حكومة نتانياهو بأزمة تتصل بعملية السلام، وتوقف المفاوضات والتحديات التي يفرضها الخيار الفلسطيني بالتوجه إلى الأمم المتحدة، وما ينتظر إسرائيل من امتحان العزلة الدولية. وفوق هذا تبدي إسرائيل قلقاً كبيراً إزاء إمكانية فشل سياساتها السابقة والقائمة التي اعتمدت الحصار، وكرست الانقسام الفلسطيني، ذلك أن الفلسطينيين بدأوا ولو نظرياً في رحلة المصالحة التي قد تحتاج إلى وقت إضافي، لكنها لا تزال قائمة وصالحة وهي ستتم ولو بعد حين.

وإذا كان ثمة ما يقترب من الإجماع بين المحللين والمراقبين على أن نتانياهو وحكومته، يحاول استغلال عملية إيلات لشن حرب جديدة على قطاع غزة، من أجل تحقيق أهداف عديدة، أهمها الهروب من أزمته الداخلية بالإضافة إلى قطع الطريق على المصالحة وعلى التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة، فإن القليل من هؤلاء من يعتقد أن نتانياهو ليس حراً ولا هو طليق اليد هذه المرة في أن يذهب إلى حيث يريد من وراء هذا التصعيد.

وبالمناسبة فإن الرغبة الإسرائيلية في التصعيد المحسوب، كانت سابقة على عملية إيلات، فخلال الأسابيع التي سبقت العملية، لم تتوقف عمليات القصف الإسرائيلي بهدف استدراج الفلسطينيين لردود فعل توفر لنتانياهو وحكومته الذريعة لارتكاب عدوان واسع على القطاع. تكمن ورطة نتانياهو وحكومته في أن كل الحلول المتاحة له، لا توفر القدرة ولا الفرصة للتخلص من جملة الأزمات التي تمر بها إسرائيل في هذه الفترة.

ولذلك فإن كل ما يمكن أن يفعله هو الحفاظ على وتيرة متقدمة من التصعيد، لا يصل إلى حدود القيام بعملية عسكرية واسعة ضد قطاع غزة، فهو في هذه الحالة يحتاج إلى وقت، لتبريد جبهته الداخلية وحشدها خلفه، خصوصاً بعد أن أعلنت الحركات الاحتجاجية عن وقف نشاطاتها إثر وقوع عملية إيلات.

على أنه إذا كانت عملية عسكرية واسعة ضد قطاع غزة، ستؤدي إلى توحيد الفلسطينيين، وبالتالي إفشال هدف إدامة الانقسام، فإن الوجع الأكبر لنتانياهو مصدره، الموقف المصري الذي لم يعد يتسامح بأي حال مع أي عدوان إسرائيلي على الفلسطينيين.

إن السياسة العامة في مصر إزاء إسرائيل، يقررها إلى حد كبير الشارع المصري الذي يتصاعد غضبه على اتفاقية كامب ديفيد وعلى كل سياسة الحلف الإسرائيلي- الأميركي، عندما يعلن الشارع المصري بأعلى صوت هنا مصر، قلعة العروبة، يكون على وزير الدفاع الإسرائيلي أيهود باراك أن يعتذر نيابة عن حكومته، بسبب مسؤولية إسرائيل عن قتل خمسة ضباط وجنود مصريين.

مصر ليست تركيا مع احترامنا لدور ومكانة ومواقف وسياسات تركيا، هنا تعتذر إسرائيل بسرعة ولكنها ترفض حتى الآن الاعتذار لتركيا عن جريمة قتل المتضامنين على سفينة مرمرة قبل نحو عامين. إذا كان هذا التحليل منطقياً، فإن المنطق أيضاً يقول بأن حكومة مجنونة متطرفة ويائسة، قد ترتكب حماقة كبرى طالما أنها خاسرة في كل الأحوال، مما يعني أنها قد تقوم بتصعيد الموقف إلى حد ارتكاب عملية عدوانية واسعة ضد القطاع، إن لم يكن الآن ففي وقت لاحق.

Email