إسرائيل بين العنصرية والرأسمالية

ت + ت - الحجم الطبيعي

من منطلق صهيوني عنصري صِرف، تدعي إسرائيل أنها دولة خالصة لليهود وحدهم. لكن هل يصمد هذا الادعاء أمام واقع الصراع الطبقي داخل المجتمع الإسرائيلي؟

هذا السؤال المصيري، ظل مكتوما لدى الزعامات الإسرائيلية منذ قيام هذه الدولة، على مدى ستة عقود زمنية حتى يومنا هذا، من عهد ديفيد بن غوريون مؤسس الدولة في أواخر أربعينيات القرن المنصرم، إلى عهد بنيامين نتانياهو رئيس الحكومة الحالية.. إلى أن تفجرت مؤخراً فورة شعبية في الشارع الإسرائيلي، أشبه ما تكون بالانتفاضات التي اشتعلت وتشتعل في أنحاء العالم العربي، من حيث أن المظاهرات الإسرائيلية تعكس تحركا مطلبيا ليس سياسيا.

وإذن، فإن السؤال المطروح يتبعه بالضرورة تساؤل آخر مفاده: هل ما نشهده حاليا في الشارع الإسرائيلي الفائر يعكس تحول الربيع الثوري العربي إلى صيف ثوري إسرائيلي؟ وما هو مآل هذا المشهد؟

هذا هو السؤال الذي ينبغي أن يُطرح الآن على الصعيد الشعبي العربي، من منظور انعكاساته المحتملة على الصراع العربي ـ الإسرائيلي. علينا أن نسجل أولا أن المظاهرات الإسرائيلية العارمة، تعكس حالة تذمر اقتصادي ـ اجتماعي ضد ظاهرة غلاء معيشي متفاقمة. فالمطالب التي تنادي بها جموع المتظاهرين، تنحصر في تصاعد الإيجارات السكنية وغلاء الأسعار في السوق الاستهلاكية عامة.

وارتفاع رسوم وأسعار الخدمات الصحية والاجتماعية على نحو تجاري. وبينما يقول رئيس الوزراء نتانياهو "ليس بوسعنا تجاهل حجم هذه الاحتجاجات الاجتماعية"، فإن علينا ثانيا أن ننتبه إلى أن المظاهرات تعكس تحركا جريئا للطبقة المتوسطة، تلك الطبقة التي تتكون أساسا من المهنيين أصحاب الدخول المحدودة، من أمثال عامة الموظفين في الدوائر الحكومية والمؤسسات والشركات والمعلمين وأصحاب الحرف الصغيرة.

وإذن، فإنها حركة موجهة أساسا ضد كبار السياسيين الذين يشغلون كبرى المناصب في الدولة، ومعهم أصحاب مصانع السلع الاستهلاكية والشركات الكبرى العاملة في مختلف المجالات، بما يعني أن الاحتجاجات موجهة ضد الطبقة العليا في المجتمع الإسرائيلي، من الطبقات الأدنى العاملة التي تمثلها نقابات العاملين بمختلف أشكالها. إنه صراع طبقي صِرف، يؤدي بالضرورة إلى شق المجتمع اليهودي إلى جزءين: غالبية من ذوي الرواتب والأجور والدخول المحدودة تعاني ويلات الغلاء والندرة في سوق الاستهلاك، وأقلية تستأثر بتسيير جهاز الحكم لحماية الشريحة الطبقية الرأسمالية العليا المتحالفة معها.

هنا تبرز مشكلة ذات شقين. فالطبقة الحاكمة لن تستطيع الاستجابة لطلبات الشارع الفائر، دون أن ينتج عن ذلك أمران خطيران: أولا؛ تقليص الميزانية الحكومية، وثانيا؛ خفض العوائد الربحية لأصحاب رأس المال، علما بأن تقليص الميزانية الحكومية سيكون على حساب الاعتمادات العسكرية، أي تكاليف "الدفاع" الباهظة، وهو أشد بنود الميزانية الإسرائيلية حساسية.

بالنظر إلى أن الدولة الإسرائيلية تعتمد أساسا على السلاح في بقائها ككيان شاذ في منطقة الشرق الأوسط يحيط به العداء العربي من كل اتجاه. في هذا السياق، يقول وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان "إن الاستجابة لمطالب المظاهرات عن طريق خفض ميزانية الدفاع، تعني أن إسرائيل ستكون أقل استعدادا لمواجهة ما تتعرض له من تهديدات خارجية".

لقد عين رئيس الوزراء نتانياهو لجنة للحوار مع قادة النقابات الذين يتزعمون حركة الفوران الشعبي، برئاسة الخبير الاقتصادي البارز مانويل كراتنبيرغ. لكن هذا الاقتصادي المرموق قال فور تعيينه: "لديَّ مشاعر ملتبسة إزاء تكليفي بهذه المهمة، إذ لا بد من استحداث تغييرات.

غير أن المسؤوليات والمخاطر عظيمة". وما يمكن أن يستخلص من هذا الكلام، هو أن رموز السلطة الإسرائيلية العليا لن يقدموا لقيادات الحركة الانتفاضية سوى استجابات ضئيلة وربما شكلية. وهنا تبدو الصورة وكأن هذه القيادات الشعبية، تستلهم ما جرى ويجرى في مصر وتونس.

سيكون هناك "ميدان تحرير" إسرائيلي، بحيث إنه كلما عرضت الحكومة الإسرائيلية تنازلات ضئيلة ووعودا شكلية، ازداد زخم الشارع الفائر مع تصاعد الغليان الشعبي إلى مستويات أعلى فأعلى. الوضع الداخلي في إسرائيل مرشح، إذن، لانتفاضة شاملة، تنبع من تفاقم صراع طبقي يجرف خرافة "الدولة اليهودية"، بما يعني انتقال الوضع من هيرتزل إلى كارل ماركس.

والسؤال الذي ينبغي أن يُطرح في هذا السياق الجديد، من المنظور العربي، هو ما إذا كان من المتاح للعرب استغلال هذا الوضع للدفع بحالة التأزم الإسرائيلي الداخلي إلى أعلى درجة، بحيث تتزعزع قوة السيطرة الاحتلالية الإسرائيلية، خاصة في الضفة الغربية الفلسطينية.

 

Email