سبتمبر والصراع الفلسطيني الإسرائيلي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يشعر الجميع في إسرائيل بقلق بالغ مع اقتراب شهر سبتمبر. في الواقع، يعد هذا هو الشغل الشاغل الوحيد الذي يتحدث عنه أي شخص هناك. بالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين، يعد شهر سبتمبر اختزالاً مفهوماً على الصعيد العالمي، للتصويت المرجح للأمم المتحدة في هذا الشهر، حول ما إذا كان سيتم الاعتراف بفلسطين كدولة ذات سيادة.

في الوقت الراهن يجري المسؤولون الإسرائيليون والفلسطينيون جولات في العواصم الأوروبية وغيرها، سعياً للحصول على تأييد بقدر الإمكان. ولكن لا أحد في كلا طرفي النقاش، يشك في أن أغلبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 192 دولة، سوف يصوّتون لصالح الفلسطينيين.

قال رون ديرمر، أحد كبار المساعدين لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو: "ليست لدينا فرصة للفوز. ربما لدينا ما بين 30-40 دولة تقف في صفنا".

من الناحية النظرية، يعتبر تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة مجرد تصويت رمزي فقط، وليست له قوة القانون. ورغم ذلك يتنبأ الجانبان بعواقب خطيرة، أبرزها هجوم قانوني دولي مستمر على إسرائيل، في حين تسود حالة من الإحباط الشديد وأعمال العنف المحتملة بين الفلسطينيين، عندما لا يتيح التصويت قيام دولة كاملة السيادة.

وبعد إجراء التصويت، حسبما يتوقع كبار المسؤولين الإسرائيليين، سوف يلجأ الفلسطينيون لإثارة قضيتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية، متهمين إسرائيل بارتكاب جرائم حرب ومخالفات أخرى متعددة. ويصر رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض على أن ذلك ليس صحيحاً. وقال: "المحكمة الجنائية الدولية ليست منبراً ننضم إليه حتى تكون لنا دولة"، مضيفاً أن الفلسطينيين لا يسعون لتحقيق ذلك الهدف بأي حال.

لكن فياض معزول إلى حد ما داخل حكومته، ويرى آخرون ذلك بشكل مختلف. فقد أشار دانيال غيرون، وهو محام بارز متخصص في القانون الدولي في وزارة العدل الإسرائيلية، إلى أن: "تصويت الجمعية العامة ليس كافياً لإقامة دولة"، لكن المحكمة الجنائية الدولية والمنظمات الأخرى قد تختار قبول الفلسطينيين على أي حال. وفي نهاية المطاف، فإن المحكمة الجنائية الدولية هي هيئة مستقلة، فيها 116 دولة من الأعضاء، معظم الدول نفسها سيكون لها حق التصويت لصالح قيام دولة فلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

من هناك، حسبما يتوقع المسؤولون الإسرائيليون، سوف تسعى السلطة الفلسطينية إلى محافل قانونية وسياسية أخرى، تواصل من خلالها حربها السياسية ضد إسرائيل. وفي محاولة لاتخاذ إجراء استباقي حيال ذلك، أعلن نتنياهو مؤخراً، استعداده لاستئناف مفاوضات السلام على الفور.

مؤكداً بالقول: "كل شيء مطروح على طاولة التفاوض". لكنه قبل أسابيع قلائل، قال أمام الكونغرس الأميركي إنه لن يكون مستعداً للتفاوض بشأن الأرض على أساس حدود عام 1967، حيث أنشئت الحدود الحالية بين إسرائيل والضفة الغربية في نهاية حرب الأيام الستة عام 1967.

أبدى نتنياهو موقفاً متعنتاً في مايو الماضي، عندما عرض الرئيس أوباما ذلك كنقطة انطلاق للمفاوضات بشأن الأرض، من خلال "مبادلة أراضٍ" المتفق عليها. لكن بين أيدينا هنا حقيقة غير مألوفة، تتمثل في أن هذه لم تكن سياسة الولايات المتحدة منذ عام 1967، عندما صرح وزير الخارجية الأميركي آنذاك دين راسك، بأن المفاوضات المقبلة "على الحدود الإسرائيلية على طول الضفة الغربية يمكن "ترشيدها".

ويمكن تقويم انحرافات بعينها من خلال تبادل للأراضي، مما يجعل جميع الأطراف تحصل على حدود بشكل أكثر منطقية". في ذلك الوقت، وافقت إسرائيل بشروط، ولكن لا تتوقعوا الكثير من مناورة اللحظة الأخيرة لنتنياهو الآن.

في الوقت نفسه، ربما تكون القيادة الفلسطينية في الضفة الغربية الفلسطينية تختلق أزمة خاصة بها. فقد أظهر خبير استطلاعات الرأي الفلسطيني خليل الشقاقي، من خلال دراسة أجريت مؤخراً، أن "الشعب يؤيد عملية سبتمبر"، ولكن "في اللحظة التي تعود القيادة من نيويورك، يتوقع منهم الشبان الفلسطينيون بدء ممارسة السيادة المطلقة".

ينفض فياض يديه من المسألة عندما يعلن بحماس: "لا أستطيع تقديم ذلك الآن"! وأضاف: "هذا ليس تفكيري حيال سبتمبر على الإطلاق، أي التأكيد على السيادة المطلقة من جانب واحد". والحقيقة هي أنه، حسبما أضاف، "لن يكون اليوم التالي للتصويت مختلفاً بأي حال من الأحوال، سوف يكون مثل اليوم السابق نفسه".

وانتقد فياض علناً الرئيس الفلسطيني محمود عباس، على رفع مستوى توقعات الرأي العام، قائلا إن جميع النقاش العام "يستند إلى فرضية خاطئة، فما أجده مثيرا للاعتراض هو أن ذلك لم يكن قابلاً للتفسير بالنسبة للشعب الفلسطيني". وينتاب فياض والمسؤولين الإسرائيليين، القلق من أن سوء الفهم سوف يجلب خيبة الأمل والغضب والعنف المحتمل، في حال حدوث تغير محدود على أرض الواقع.

يقول الشقاقي: "الجمهور أكثر تشدداً حيال سبتمبر من القيادة".

وقد أظهر الاستطلاع الأخير بشأن الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، الذي أجري في شهر يونيو الماضي، أن 80% يؤيدون مطالبة الأمم المتحدة بـ"الاعتراف بدولة فلسطينية". وقال ناعور غيلون، أحد كبار المسؤولين في وزارة الخارجية الإسرائيلية: "يمكن أن يزداد هذا الأمر".

وفي الوقت الذي تفضي مبادرة "سبتمبر" لا محالة إلى مواجهة يمكن أن تتحول إلى أعمال عنف، فإن كلا الجانبين يتحملان المسؤولية، سواء القادة الفلسطينيون على رفع مستوى التوقعات التي لا تمكن تلبيتها، أو الإسرائيليون على تقديم مقترحات مخادعة من أجل السلام.

Email