وسائل الإعلام الاجتماعي وتأثيرها في التقليدية

ت + ت - الحجم الطبيعي

كانت هناك في البداية تغطية إعلامية محمومة حول اعتقال مدير صندوق النقد الدولي دومينيك ستروس- كان، ثم جاءت بعد ذلك الحملة الإعلامية لمحاكمة أنتوني كيسي، والآن نحن أمام فضيحة التنصت الهاتفي، التي تشق طريقها عبر أروقة السلطة في بريطانيا (واكتملت وقائع الفضيحة بمحاولة أحد المحتجين قذف مردوخ بصحن، وانقضاض زوجته ويندي دينغ مردوخ على المحتج لحماية زوجها من الاعتداء).

وكان أول رد فعل من جانبي على الفضيحة البريطانية الآخذة في الاتساع، هو أنني شعرت بقدر من الاشمئزاز. وكان رد الفعل الثاني من جانبي هو الدهشة من أن ذلك البلد المتطور الذي تلقيت فيه تعليمي الجامعي، يقع بصورة متزايدة فريسة في مصيدة هذه الفوضى، وحيث يجري شرطي «أ» تحقيقاً مع المشتبه فيه «ب»، ويتناول العشاء معه أيضاً، ويقوم السياسي «ج» بتوظيف المشتبه فيه «ب»، فقط لأنه صديق جيد لمدير التحرير «د»، الذي حضر حفل زفاف السياسي «ج».. وعلى هذا المنوال تدور العلاقات وأشكال الفساد بين هؤلاء. إنها بريطانيا النخبة، التي قامت على غرار عائلة الجريمة المنظمة.

والآن، هذه الأخبار والاستقالات تأتي بشكل أسرع وتصل إلى مراحل تصعيدية، وسط شعور خاص بنهاية الإمبراطورية لكل هذه الأمور. ولدى بريطانيا تمييز يشوبه الشك، ليس فقط لكونها الدولة الأكثر ارتباطاً بضياع الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، ولكن لاستمرارها في تكبد الخسارة مراراً وتكراراً، بوسائل أكثر حداثة وابتكاراً من أي وقت مضى.

وبالنسبة لتفاصيل هذه الفضيحة نفسها، والتغطية الإعلامية لها، فمن الجدير بالذكر أن المؤسسة الإعلامية المعنية بالفضيحة، لم تكن مؤسسة جديدة أو مدونة غير خاضعة للرقابة من قبل وسائل الإعلام التقليدية، التي يستبد بها القلق من أن وسيلة إعلام حديثة العهد لم تستوعب بشكل صحيح أخلاقيات وسائل الإعلام الكبيرة. بل كانت مؤسسة إعلامية عتيقة تقليدية للغاية، عمرها في الواقع يزيد على 168 سنة. أود أن أقول، بطبيعة الحال، إن وسيلة الإعلام العتيقة جداً أسقطت بسرعة هائلة، بسبب وسائل الإعلام الجديدة.

وفي الوقت نفسه نشهد بشكل أكبر، وفي مجالات أكثر بكثير، وسائل إعلام جديدة يمكن أن تكون الأداة المثلى لمساءلة الأشخاص والمؤسسات.

في غضون ساعات من الكشف عن أن محرري صحيفة «نيوز أوف ذا وورلد» اخترقوا الرسائل الصوتية، ليست الخاصة بالمشاهير والسياسيين وأفراد الأسرة المالكة فحسب، ولكن أيضاً الخاصة بضحايا جرائم القتل وضحايا هجمات السابع من يوليو الإرهابية، فقد انطلقت حملة على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» تستخدم الكود «إن أوه تي دبليو»، وسرعان ما أصبحت هذه بمثابة ظاهرة أو صرخة، حيث تم الانضمام إليها من جميع أنحاء العالم، للتوحد وضم الجهود حول قضية مشتركة. وقد بلغت الحملة ذروتها، عندما انضم إليها ما يقرب من 75 ألف شخص خلال ساعة واحدة من انطلاقها.

واستهدفت الحملة الإعلامية إقناع الشركات المعلنة بفسخ عقودها مع «نيوز أوف ذا وورلد». وأثبتت عبر شبكة التواصل الاجتماعي أنها فعالة، حيث بادر المعلنون بسحب دعمهم للصحيفة.

كما لعبت وسائل الإعلام الجديدة دوراً في وقف محاولة مؤسسة «نيوز كورب» للاستيلاء على كل «بي سكايب».

وكان هذا أحد الأسباب التي دفعت عائلة مردوخ إلى سحب عروضها من البرلمان، حيث جرى حث قادة جميع الأحزاب الرئيسية الثلاثة على القيام بذلك. وكان واحداً من الأسباب التي جعلت هؤلاء الساسة يعارضون تلك الصفقة على نحو مفاجئ، أنهم يحسنون قراءة أوراق الشاي، والتي هي وسائل الإعلام الاجتماعية في نهاية المطاف.

إذاً، لا يقتصر دور وسائل الإعلام الاجتماعي على إتاحة الفرصة للناس للتعامل بشكل كامل مع الأخبار، وبالتالي يكونون جزءاً من الخبر، بل تسمح أيضاً للزعماء السياسيين، الذين صموا آذانهم بشكل متزايد عن المخاوف الحقيقية للناس، وحثوا بشكل مباشر على الاستماع لهم، سواء بإرادتهم أو رغماً عنهم.

Email