هموم اليوم العاشر

ت + ت - الحجم الطبيعي

اليوم العاشر يأتي بعد اليوم التاسع من استلام الراتب، وعادة يكون كثير من الأسر قد نفد راتبها وبدأت باستخدام بطاقات الائتمان لتمشي الحال، حتى يأتي الفرج قبل أن يأتي اليوم العاشر مرة أخرى.

لكن أسأل نفسي هل هناك من أجبرنا أن نكون في مثل هذا اليوم أم أنه بكامل إرادتنا؟ والعجيب أنه بكامل رغبتنا، فأين تقع المشكلة؟ هي لا بد أن تكون بين طرفي التعاقد؛ البنوك والمواطن.. إذا نظرنا إلى حال المواطن وجدنا اهتماماً بالسينات الثلاث، وهي قشور تؤدي إلى هذا الحال: سيارة وساعة وسمعاة! ويمكن أن نزيد طقماً لكل مناسبة، وخادمة لكل طفل، فهل نرضى أن يربي فلذات أكبادنا من جاء ليطبخ ويكنس ولا يحمل أي مؤهل؟ فالتربية مدرسة وناظرتها الأم، كما قال الشاعر في البيت المعروف "الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق".

فإذا كان الدخل لا يكفي المعيشة اليومية إضافة لهذه الأشياء، وجدنا البنوك التي تقوم بدور كبير في مجال جذب المواطن إلى هذه الأمور وترتيب العروض المغرية، فيصبح المواطن قد وجد نفسه يعمل للبنوك بعد مرور عشر وعشرين سنة من الوظيفة. نعم عزيزي القارئ، مدراء البنوك هؤلاء الذين يغرونكم، لهم نسبة من عملية الدين التي تقوم بها، وعليه رقم مستهدف من الأرباح لفرع البنك يجب أن يحققه، وأنت الذي تقوم بكل هذا لهم. وهذه فرصة لتحية مبادرة المصرف المركزي لتقنين عملية الديون، وإن كنت أرى أفضلية لو كان هناك نوع من التدرج في هذا القرار، فتغير مسار حياة الناس الذين تعودوا على نظام معين وآلية معينة، قد يكون تأثيره سلبياً على الطرفين، لكن في نهاية المطاف نقول شكراً يا مصرفنا المركزي، فمبادرته في صالح المواطن الواعي، وإن كان البعض ممن أعرف لم يعجبه القرار.

وفي ديننا الحنيف يرى عدد من أهل العلم أن الشخص لا يستدين إلا للضرورة، وهي التي تقدر بقدرها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف، وهو من أذكار الصباح والمساء: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعـوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجـال)، فنجد أن الدين ربط الديون بأمور يفر منها الإنسان، فربطه بصفات ذميمة وأحوال خطيرة ونهايات أليمة، فإذا غلبك دينك فما يكون حالك وحال أسرتك من بعدك؟

أما عن الأمور الضرورية، فطبعاً لا يخفى على أحد ولا على دول الجوار ولا على العالم، أن إماراتنا قد قامت بالأخذ على عاتقها كل الضروريات، من صندوق الزواج وقروض الإسكان وعلاج مجاني ورواتب الشؤون وأسعار الكهرباء والماء، وغيرها من الأمور الضرورية التي لا يمكن الاستغناء عنها، حتى أني كنت أقابل بعض الغربيين في بعض أسفاري إلى الخارج، فيستفسرون مني؛ هل حقيقة أن الدولة تدعم مواطنيها للزواج بمبلغ عيني؟ نعم عزيزي، فهم تترتب عليهم حياة قاسية كي يحصلوا على ما تحصل عليه أنت ممنوحاً لنا من دولتنا الحبيبة.

فالضروريات قد كفلت إلى حد كبير، وديننا لا يشجع على الدين إلا للضرورة، ورواتب دولة الإمارات تعتبر من أعلى الدخول في المنطقة، فهي الثالثة عربياً والثامنة عشر عالمياً، وفق قائمة "غلوبال فاينانس" عن دخل الفرد، بواقع 36176 دولاراً سنوياً، والذي كان ينغص عليه التضخم والغلاء الذي قضت عليه الأزمة المالية مشكورة. فإذاً، من أين اكتسبنا هذه العادات؟ وما الأسباب الرئيسة وراء ذلك؟ أحدها عندنا هو الحصول على الدين بسهولة، وغياب ثقافة التوفير، والبعد عن معرفة الفرص الاستثمارية المتاحة. فالترويج الذي تقوم به المصارف يطغى على وسائل الترويج للمنتجات المنافسة كفرص التوفير والاستثمار.

وهنا بعض الحلول لمن يريد أو يرغب التغيير والخروج من دوامة الديون والائتمان. والنصيحة الأولى؛ حضور الدورة المالية لغير الماليين، فهي تفتح آفاقاً من المعرفة المالية وتعرّف كيف يدار النظام المالي وكيف تفهم ما يحدث من حولك بالتأثيرات المالية. أما النصيحة الثانية؛ فإذا كان لك أكثر من دين وأثقلتك الأقساط الشهرية، فيمكنك الذهاب لمصرف آخر يسدد الدين عنك، مقابل قسط واحد يمكنك من العيش بهدوء، لكن شريطة أن لا تذهب وتأخذ ديناً جديداً. النصيحة الثالثة؛ قم بإلغاء بطاقات الائتمان المغطاة التي لا تستخدمها، وقلل مبلغ الائتمان حتى لا يتجاوز 30% من دخلك الشهري، وأيضاً ينصح بسداد المبالغ المستخدمة من البطاقة قبل تاريخ الاستحقاق، خاصة إذا كنت تنوي عدم سداد المبلغ بالكامل. النصيحة الرابعة؛ إذا كنت تعجز عن التوفير ومعتاداً على الدين، فقم بزيارة المؤسسات التي توفر فرصاً استثمارية على شكل صكوك أو مطور عقاري يبيع عقاراً بشكل مقسط، خاصة وأن أسعار العقار الآن مغرية للشراء ومفيدة على المدى الطويل. النصيحة الخامسة؛ قم بإخراج الزكاة وخصص نصيباً شهرياً من دخلك للفقراء والمساكين والمحتاجين، فإن البركة في الرزق لها أثر كبير في الحياة، فواحد زائد واحد يساوي اثنين، وواحد زائد بركة نعجز معشر الماليين والاقتصاديين عن تحديده. أما النصيحة السادسة، فهي أن تقوم بتدريب أبنائك على ثقافة التوفير ونظام الراتب الشهري وتشجعهم على التوفير.

خبير اقتصادي ومستشار مالي

Email