فلسطين وربيع الثورة العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

المصالحة الوطنية الفلسطينية وصلت إلى طريق مسدود. والعملية التفاوضية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، بلغت أيضا طريقا مسدودا. والآن لم يبق متاحا أمام قيادة السلطة الفلسطينية، سوى التوجه صوب هيئة الأمم المتحدة بأمل استصدار قرار «تاريخي» من الهيئة الدولية، بالاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة تقام على حدود 1967م. وإذن يبرز سؤالان:

أولا؛ هل تتجدد المساعي لإعادة الحياة إلى اتفاق المصالحة المبرم بين السلطة الفلسطينية ممثلة بفصيل فتح في الضفة الغربية، وحكومة قطاع غزة ممثلة بفصيل حماس؟

وثانيا؛ ماذا سيعني على الصعيد العملي قرار الاعتراف الأممي إذا صدر فعلا؟ علما بأن احتمال صدوره وارد بشدة.

لنتساءل بادئ ذي بدء: هل كان لاتفاق المصالحة أصلا أن ينجح؟ إن أهم بند في وثيقة الاتفاق هو إقامة حكومة وحدة وطنية من شخصيات تكنوقراطية، برئاسة شخصية مستقلة يتوافق على اختيارها الطرفان، وإسرائيل ترفض مبدئيا أي تشكيل حكومي فلسطيني يشمل مشاركة فصيل حماس.

لكن المشكلة الحقيقية ليست الرفض الإسرائيلي، وإنما ارتهان فصيل فتح إلى الموقف الإسرائيلي المدعوم أميركيا. ووفقا لهذا الموقف فإن إسرائيل عبر حكوماتها المتعاقبة، ظلت تطالب قيادة حماس بالاعتراف الرسمي باتفاق أوسلو لكي تؤهل نفسها للمشاركة في عملية «مفاوضات السلام».

علنا وبإصرار متشدد، كانت قيادة فتح تتمسك بهذا الاشتراط خلال اجتماعات المصالحة في القاهرة، في مرحلتها الأولى بوساطة مصرية إبان نظام الرئيس السابق حسني مبارك، متحيزة إلى الطرح الفتحاوي.

وهكذا وتحت إصرار فتح وتحيز مصر ورفض حماس، انتهت تلك المرحلة إلى فشل كامل. واندلعت ثورة الشارع المصري لتفضي إلى مناخ سياسي مختلف تماما، بعد اضطرار الرئيس مبارك إلى التنحي. واستؤنفت عملية المصالحة الفلسطينية في القاهرة، ولكن هذه المرة على خلفية هبوب رياح التغيير.

في هذه الجولة، لم يكن ملائما لوفد فتح أن يكرر اشتراطه بأن تعترف حماس مسبقا بإسرائيل واتفاق أوسلو، لكن الوفد جاء إلى مباحثات المصالحة بهدف نسفها على نحو أو آخر. لقد وافق في سياق المباحثات على قيام حكومة الوحدة الوطنية، لكنه طرح لرئاستها اسم شخصية يعلم علم اليقين أنها مرفوضة تماما لدى الطرف الحمساوي.

فالسيد سلام فياض رئيس وزراء السلطة الفلسطينية، هو الشخصية التي اختارتها الإدارة الأميركية وحكومات الاتحاد الأوروبي، لضمان تسيير أجهزة السلطة في الضفة الغربية. ولهذه الغاية فهو الشخصية الرسمية التي تملك وحدها مفاتيح خزانة السلطة الفلسطينية، وكيفية التصرف في المساعدات المالية التي ترد من الحكومات الغربية، بالإضافة إلى حصيلة أموال الضرائب التي تتقاضاها الحكومة الإسرائيلية لصالح السلطة الفلسطينية شهريا.

هكذا تقدمت فتح باسم فياض لكي يرفض من قبل الطرف الآخر في مفاوضات المصالحة، مع رفضها هي ترشيحات الأسماء التي اقترحتها قيادة حماس. وهكذا ـ وللمرة الثانية ـ وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود.. أو بالأحرى فشلت كما أرادت لها جهات كثيرة.

تقول إسرائيل إنها ترفض أي تفاوض مع الجانب الفلسطيني، في حالة نجاح التصالح بين فتح وحماس وقيام حكومة وحدة وطنية على هذا الأساس. غير أن السبب الحقيقي لهذا الرفض، هو ما تعلنه قيادة السلطة الفلسطينية من أن عملية السلام يجب أن تستأنف على أساس اعتراف إسرائيلي مبدئي بحدود عام 1967م. فهذا يعني من المنظور الإسرائيلي؛ أولا تبعية القدس الشرقية للدولة الفلسطينية تلقائيا، وثانيا ليس فقط وقف التوسع الاستيطاني اليهودي على أرض الضفة الغربية، بل أيضا تصفية الأحياء الاستيطانية القائمة.

صفوة القول إن السلطة الفلسطينية ليست متحمسة عمليا للتصالح مع حماس، لإبقاء الباب مفتوحا لكي تقبل إسرائيل باستئناف مفاوضات السلام، وإسرائيل لا تريد التفاوض أصلا لأنها تعتبر الضفة الغربية أرضاً «توراتية» مقدسة خالصة للأمة اليهودية.

ما المخرج إذن؟ لا مخرج، طالما أن قيادة السلطة الفلسطينية ترفض الخيار البديل؛ المقاومة المسلحة.

من هنا كان التوجه صوب الأمم المتحدة. لكن حتى لو اعترف العالم بأسره بدولة فلسطينية مستقلة على حدود 67، فإنها تبقى دولة وهمية على ورق مصقول، لا وجود لها على أرض الواقع. فالاعتراف الدولي في هذه الحالة، سيكون بمثابة وضع العربة أمام الحصان.

ويبقى السؤال الأخير: هل تضيع قضية المصير الفلسطيني؟

الجهة المخول لها قبل غيرها الإجابة العملية عن هذا التساؤل هي الشعب الفلسطيني، بما يؤدي إلى طرح تساؤل أولي هو: متى يمتد ربيع الثورة العربي إلى أرض فلسطين؟

 

Email