الفلسطينيون والربيع العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تواصل السلطات الإسرائيلية حالياً، مواجهة مئات الناشطين الذين يحاولون دخول الأراضي المحتلة قادمين من أوروبا والولايات المتحدة، وذلك دعماً للقضية الفلسطينية. فقد قامت بسجن العشرات منهم وترحيل المئات، وهي تطلق على هؤلاء اسم «أسطول الحرية الجوي».

وفي اليونان حاولت سفن عدة تقل نشطاء الإبحار في اتجاه قطاع غزة، حيث قامت إسرائيل باعتراض واحدة منها كانت تعتزم الإبحار إلى غزة. وفي الأسابيع الأخيرة، قام المئات من العرب بتسلق أسوار الحدود إلى إسرائيل من لبنان وسوريا، جميعهم كانوا يحتجون لدعم الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

 لكن العالم لم يسمع من جماعة واحدة ولا حتى أي تذمر، ولا من الفلسطينيين أنفسهم. وعلى مدى عقود، كانوا بمثابة مثال مثير بالنسبة للشارع العربي، فالفلسطينيون شاركوا في انتفاضتين ضد إسرائيل، أودتا بأرواح المئات من الجانبين.

وفي الوقت الذي يقف باقي شعوب العالم العربي في وجه الحكام المستبدين، فإن الأمور في الضفة الغربية تسير بشكل هادئ. وقال لي رون ديرمر، وهو مستشار أول لرئيس الوزراء الإسرائيلي: «لا يرى مسؤولو الاستخبارات والأمن أي مؤشرات في الوقت الراهن، على أن الفلسطينيين مهتمون حقا بتنظيم مظاهرات احتجاج».

فلنتخيل ما يمكن أن يكون إذا قام الفلسطينيون، مثل إخوانهم في تونس ومصر وسوريا، بالاحتشاد في احتجاجات سلمية يوماً بعد يوم، ينظمون مسيرات في نابلس ورام الله وبيت لحم. ربما تمتلك إسرائيل أكبر لوبي ضغط أجنبي في العالم، خارج واشنطن وبروكسل، وفي ظل الظروف الحالية سوف تظهر صور اللوبي على الصفحات الأولى لمعظم الصحف في العالم.

ولكن الحديث مع الفلسطينيين وطريقة تفسير تقاعسهم نسبياً أمر يثير الدهشة. فقد قال رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض: «هناك دعوات لتظاهرات كل يوم»، تلك التصريحات التي جاءت خلال حديثه لوفد زائر من الأميركيين والأوروبيين برعاية صندوق مارشال الألماني. وأضاف: «لكن هذه التظاهرات موجهة ضد الحكومة. وفي اللحظة التي بدأت تطورات الربيع العربي، بدأنا نتلقى مطالب من الناس، ونحن نرحب بذلك».

للمرة الأولى يقدم الفلسطينيون مطالبهم لزعمائهم، بدلاً من تحميل إسرائيل المسؤولية على كل الويلات التي يواجهونها. بالتأكيد يرغب كل فلسطيني أن يرى قيام الدولة الفلسطينية، لكن لم تعد هذه هي الرغبة الوحيدة المهيمنة على حياتهم.

ويحذر ناؤور غيلون، نائب المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية: «هناك حالة تحفز، وجمر في انتظار الاشتعال. فالعنف قد يندلع في أي لحظة، ويمكن أن يشكل ذلك منعطفاً خطيراً». لكن الفلسطينيين ينفون ذلك.

من جانبه، قال خليل الشقاقي خبير استطلاعات الرأي الفلسطيني: «للمرة الأولى، أصبح اللاعنف استراتيجية مقبولة، والسبب في ذلك مصر وتونس وسوريا، فالناس يدركون أن هناك الكثير من الخسائر الناجمة عن العنف». إذن، فلماذا لا ينظم الفلسطينيون تظاهرات سلمية؟ والحقيقة تكمن في أنه على ضوء تجربتهم المريرة، فإن أياً من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لا يثقان في بعضهما، أو حتى في شعبيهما.

وأضاف فياض: «لا أريد أن ننزلق إلى موجة من العنف، ونصل إلى مرحلة اشتعال يقتل فيها الأطفال». ويتفق غيلون في ذلك، حيث يقول: «لا يمكن أن يبقى هذا الوضع السلمي لفترة طويلة، فالناس يريدون أن يدافعوا عن أنفسهم وحماية ممتلكاتهم». ويضيف الشقاقي: «الإسرائيليون ليسوا مجهزين للتعامل مع اللاعنف. والناس يدركون أن أي مسيرة سلمية ستفضي إلى مذبحة». لكن المبرر الأهم، هو أن الفلسطينيين لديهم ما يحميهم.

وعلى امتداد سنوات حتى الآن، يعمل فياض على قدم وساق، استعداداً لقيام الدولة، من خلال بناء مؤسسات حكومية فاعلة. فقد حولت طفرة البناء الضخمة، رام الله إلى مدينة جديرة بالإعجاب. أصبحت شوارعها نظيفة وتحسنت مدارسها، ودخلت قوات شرطة مدربة الخدمة، وبلغ متوسط النمو الاقتصادي نحو 8%، على مدى السنوات القليلة الماضية.

وأصبحت لدى الفلسطينيين وظائف وأسر. ربما يفسر ذلك، كأي شيء آخر، سبب عدم نزولهم إلى الشوارع، لكنهم يجتمعون بأعداد أقل، من أجل حث حكومتهم على المزيد من العمل. وفي مارس الماضي، على سبيل المثال، طالب المتظاهرون بتعاون السلطة الفلسطينية مع حركة حماس، التي سيطرت على قطاع غزة في عام 2007.

وسرعان ما تحرك الرئيس الفلسطيني محمود عباس لتحقيق هذا المطلب، حيث وقع الجانبان في مايو الماضي على اتفاق للوحدة، لكنه لا يزال حبرا على ورق.

Email