فقدان الوظائف يدمر جيـلاً من الأميركيين

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعاني الاقتصاد الأميركي من أزمة وظائف قاسية آخذة في التردي. فالخسائر البشرية في تصاعد مستمر. لكن واشنطن لا تدرك ذلك. التركيز هناك على تخفيض الإنفاق، وليس على توفير فرص العمل. إننا نشهد عالما ليس في بلاد العجائب، حيث يعتقد المشرعون من أصحاب السطوة أنه يمكنهم تحويل الهراء إلى كلام منطقي، إنهم مخطئون حتماً، ونحن عرضة للمعاناة من أجل ذلك.

كانت كشوفات فرص العمل الأخيرة المتوفرة رهيبة، لكن الأزمة أعمق بكثير من بيانات شهر واحد يحمل أخباراً سيئة. فبحسب تقرير لتشارلز ماكيميليون، الخبير الاقتصادي لدى شركة «إم بي جي» لخدمات المعلومات، يوظف القطاع الخاص في الولايات المتحدة ما يقرب من مليوني أميركي، وهذا أقل مما كانت عليه الحال في عام 2000، في وقت كان عدد السكان في الولايات المتحدة أقل بـ 30 مليون نسمة.

وكانت الفترة التي فقدت الولايات المتحدة خلالها فرص العمل لمدة طويلة هي فترة الكساد العظيم. ومنذ عام 2000، فقدت الولايات المتحدة 5.5 ملايين وظيفة في قطاع التصنيع، أو ما يقرب من ثلث جميع العمالة في هذا القطاع. فقد ساهم الكساد العظيم في ارتفاع معدل البطالة، لكن الانخفاض في الوظائف الجيدة متواصل منذ أكثر من عقد من الزمن.

بالنسبة للأميركيين من أصل افريقي، فإن الكساد العظيم يعتبر ركوداً عظيماً. ونحن على شفا خطر فقدان جيل كامل من الأميركيين، حتى ما كان يطلق عليه الطبقة المتوسطة الناشئة تدهورت. وقد أوردت شبكة «سي بي إس نيوز» الإخبارية في تقرير لها أن معدل البطالة بين صفوف الأميركيين من أصل أفريقي في الولايات المتحدة بلغ حالياً 16.2%، وبالنسبة للمراهقين السود تصل النسبة عند 41%.

وفي نيويورك، كما هي الحال في شيكاغو وغيرها من المراكز الحضرية، يعاني الرجال من الأميركيين الأفارقة معدل بطالة أسوأ من مستوى الكساد. وهناك حوالي 34% من الشباب السود الذين تتراوح أعمارهم بين 19-24 في مدينة نيويورك تجدهم عاطلين عن العمل. وتصل نسبة الرجال السود في الوظائف عند أدنى مستوى لها منذ بدأت وزارة العمل حفظ هذه السجلات خلال عقد السبعينات.

لقد أثر انهيار أسعار المساكن على الأفارقة الأميركيين واللاتينيين لأقصى درجة. وتشير تقديرات مركز الإقراض المسئول في الولايات المتحدة إلى أن تدني قيمة العقارات سوف يكلف الأميركيين من أصل افريقي 194 مليار دولار. ويفقد اللاتينيون والأميركيين من أصل افريقي 8% من المنازل بسبب الرهن العقاري. والمسألة تتعلق بالوظائف، فلماذا تبدو واشنطن مصرة على دفع الأمور إلى الأسوأ؟

يضغط قادة الحزب الجمهوري باتجاه إجراء تخفيضات كبيرة في الإنفاق بحجة أن ذلك سوف يساعد على توفير فرص العمل. ولكن هذا تصرف واهم. ويؤدي خفض الإنفاق الحكومي على المستويات المحلية ومستوى الولايات والفيدرالية إلى تسريح العاملين من المدرسين ورجال الشرطة وموظفي الحكومة الآخرين، فضلاً عن موظفي القطاع الخاص من المتعاقدين مع الحكومة، بدءاً من شركات البناء وانتهاء بالجامعات.

يقول الجمهوريون إنه في الوقت الذي يكون تخفيض الإنفاق العام على حساب الوظائف الحكومية، أو كما يصف رئيس مجلس النواب جون بونر «فليكن ما يكن»، فإنه من شأن هذه التخفيضات طمأنة الشركات التي لا تقوم بالتوظيف الآن لأنها تخشى من زيادات الضرائب أو رفع أسعار الفائدة في المستقبل. ولكن في ظل وصول أسعار الفائدة إلى مستوياتها القياسية وفي ظل الإعفاءات الضريبية للاستثمارات الجديدة، فإن أي شركة سوف تلجأ إلى الاقتراض الآن لو كانت لديها آفاق للربحية. فما ينقص الشركات هو الزبائن، وليس الثقة.

وسوف يزداد هذا الوضع سوءاً لأن خفض الانفاق ينجم عنه المزيد من حالات تسريح العمال، وانتهاء التأمين ضد البطالة من شأنه إنهاء دعم الدخل بالنسبة للملايين بحلول نهاية العام.

يقول المحافظون إنه على الرغم من أهمية تخفيض العجز، فإن تجنب الزيادات الضريبية على الأكثر ثراء هو أمر أكثر أهمية. فلا يمكننا زيادة الضرائب على"أرباب الأعمال". يبدو هذا الأمر جيداً، لكن أرباب الأعمال لا يقدمون فرص عمل من خلال الإعفاءات الضريبية التي نمنحها إياهم بالفعل. وفي الحقيقة، تمتلك الشركات تريليونات الدولارات الناجمة عن الأرباح. وزاد نمو دخل فئة أغنى تبلغ نسبتها 1% بمقدار الثلثين منذ عام 2000، وتدفع هذه الفئة أدنى معدلات من الضرائب على امتداد جيل واحد، لكننا فقدنا وظائف خلال تلك الفترة، والأجدر بنا أن نفرض ضرائب على الشركات الكبرى وعلى أغنى الأميركيين، وأن يتم استخدام هذه الأموال لإعادة بناء أميركا، وتوفير فرص العمل للناس.

تعتبر هذه حالة طوارئ وطنية. وكأن الرئيس الأميركي لديه لجنة للعجز في الميزانية. والآن فإننا بحاجة إلى لجنة الطوارئ من أجل الوظائف والاقتصاد، وحشد قادة الأعمال والممثلين عن العمال لوضع خطة جريئة للمساعدة على توفير فرص العمل وإنعاش الاقتصاد. ولنتحدى هؤلاء الذين يقفون في سبيل ذلك. ولنترك الخيار للأميركيين.

إن الأمة التي تشطب جيلاً كاملاً بسبب السياسة الحزبية فقدت شيئاً أكبر من طريقها، لقد فقدت روحها.

Email