مصر على مفترق طرق مصيري

ت + ت - الحجم الطبيعي

في مصر ثورة.. لكن هل يمكن القول إن المجلس العسكري الحاكم يمثل الشرعية السلطوية العليا للثورة؟

هذا هو السؤال الأكبر وراء المواجهة المتصاعدة بين قيادات الائتلاف الثوري من ناحية وأعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تولى زمام السلطة منذ تنحي حسني مبارك رئيس النظام السابق. وما لم تنته المواجهة لصالح القوى الثورية ومن ورائها الشارع المصري فإن الوضع العام في مصر سيكون مفتوحاً على احتمالات خطيرة تنتقل به إلى مفترق طرق تاريخي بحسابات الحياة أو الموت: إما الشارع الفائر أو المؤسسة العسكرية.

منذ اندلاع الثورة انقضت الآن نحو ستة شهور. وعلى مدى هذه الفترة صار من الثابت أن المجلس العسكري الحاكم يتفادى فتح الملفات الأساسية التي من أجل فتحها ومعالجتها اشتعلت ثورة الشارع أصلا، ربما لعدم خبرة أعضاء المجلس العسكريين بهذه الملفات، وربما لتفادي غضب الشارع عند الفشل، لكن الأشد خطراً من ذلك أن هناك من يعتقد أن المجلس العسكري مجرد امتداد لنظام مبارك بما يوحي أن الهدف الاستراتيجي الأعلى لهذه الهيئة العسكرية الحاكمة ليس تنفيذ الأجندة الثورية بقدر ما هو إجهاض الثورة نفسها.

في مقدمة الملفات التي يطالب ائتلاف القوى الثورية الذي تقصد جماهيره ميدان التحرر ويتردد صدى هديرها في السويس والإسكندرية والمحافظات والمدن الأخرى محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك وابنيه والرموز الكبار لنظامه. ومع مرور كل يوم منذ اندلاع الفوران الشعبي في 25 يناير تتواتر مؤشرات توحي للبعض بأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لا يعتزم سوى تجنيب مبارك المثول أمام المحكمة بشتى الحيل والحجج المفتعلة.

لقد حدد المجلس العسكري الثالث من أغسطس المقبل لتقديم الرئيس السابق إلى العدالة القضائية. لكن قد تكون هناك نية أو سيناريو لإلغاء هذا الموعد أو إرجائه إلى أجل غير مسمى. بل إن هناك من يتوقع أن يتواطأ المجلس مع النائب العام في تشكيل فريق طبي من أطباء موالين لنظام مبارك يوصي بنقل الرئيس السابق إلى ألمانيا.

تكهنات وشائعات كثيرة على الساحة في مصر، لكن شاهد القول يتمثل في حقيقتين كبريين: أولا أن ثورة الشارع العارمة إذ نجحت في انتصار الإرادة الشعبية إلا أنها لم تستول على السلطة العليا. والحقيقة الثانية تنبثق من الحقيقة الأولى وهي أن عدم وصول القيادات الثورية إلى مواقع السلطة العليا وما يتبعها من أجهزة صنع القرار جعلها في موقف سالب لا يمكنها من تطهير مؤسسات السلطة بالكامل من الكوادر العليا الموالية لنظام مبارك ومحاسبة هذه الكوادر بتقديمها إلى محاكمات.

هكذا نشأ في الموقع الأعلى للسلطة فراغ سلطوي عقب تنحي مبارك سارعت عناصر القيادة العليا للمؤسسة العسكرية إلى ملئه بعد أن تسلمت آلة الحكم من الرئيس المستقيل، ورغم ترحيب الشعب والثوار، إلا أن الشكوك قائمة، خاصة وأن طاقم جنرالات المؤسسة العسكرية كان جزءاً لا يتجزأ من أجهزة الحكم المتميزة التي أنشأها وبناها الرئيس مبارك.

في عهد النظام السابق كانت هناك شرائح طبقية استفادت مما أسبغ عليها النظام من امتيازات ومزايا. فليس من الغريب إذن أن يكون الهدف الأعظم لهذه الشريحة استرداد قوة النظام السابق.

وهذه الحقيقة لها وجه آخر. منذ إبرام معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في عام 1979 برعاية الولايات المتحدة أعيد بناء الجيش المصري بصورة كاملة من خلال برامج تدريب وتثقيف بإشراف أميركي مما أدى إلى تغيير جذري وشامل للعقيدة القتالية الوطنية للمؤسسة العسكرية.

وبعد.. هل يعني ذلك أن تردد الشائعات حول التشكيك في المجلس العسكري ونموها المتزايد قد يؤدي إلى الصدام بين المجلس والثورة؟

الإجابة الواقعية لهذا السؤال هي أولا أن الشارع المصري الثائر قد كسر حاجز الخوف منذ الوهلة الأولى لانطلاق التيار الثوري الجارف من ميدان التحرير، وثانيا أنه كلما طال أمد المواجهة تضاعف المد الثوري، وثالثا أن الفوران الشعبي تجاوز مرحلة اللاعودة.

مع ذلك يبقى تحقيق الانتصار النهائي للثورة مرتهنا إلى وحدة القوى والمنظمات السياسية وما وراءها من الفئات الشعبية المشاركة في تأجيج المد الثوري. ولقد ثبت واقعياً أنه كلما شددت القوى الشعبية الضغوط تضطر السلطة العسكرية إلى التجاوب مع مطالب الشارع الثائر.

 

Email