أوباما يتجاهل دروس 2008 بشأن العجز في الميزانية

ت + ت - الحجم الطبيعي

عند نقطة ما في المستقبل غير البعيد، سيخرج الحزب الجمهوري مهرجيه، وستتغير اللعبة بشكل دراماتيكي، وستتبخر فكرة أن الانتخابات المقبلة سوف تختزل نتيجتها في نسبة الأميركيين الذين يعتقدون أن باراك أوباما لم يولد في الولايات المتحدة. وبدلاً من ذلك، سوف يأتي الحسم على الأرجح من نسبة أخرى تتمثل في 70% من الأميركيين الذي يعتقدون، بحسب استطلاع أجرته سي بي إس نيوز ونيويورك تايمز، أن البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ، بالمقارنة مع 26% فقط تعتقد أننا نسير في الاتجاه الصحيح.

ومن الواضح أن تلك الأرقام القاتمة، تتعارض مع الأرقام المتفائلة جداً الصادرة عن بورصة سوق المستقبل السياسي "إنتريد"، والتي تمنح الرئيس أوباما فرصة 60% للفوز بفترة رئاسية ثانية.

وفي الوقت الراهن، يبدو أن البيت الأبيض يتبع قواعد اللعبة التقليدية في واشنطن، والتي تقوم على فرضيتين مشكوك في صحتهما: أن نتيجة الانتخابات يحسمها "الناخبون المستقلون"، وأن "المستقلين" لديهم دائماً توجهات وسطية. ووفقاً لهذا المنطق السائد في واشنطن، يمكنك الاعتماد على قاعدتك الحزبية لنصرتك، وتنظيم حملة "وسطية" لكسب دعم أولئك المستقلين قبل أن يقوم خصمك بذلك.

 هذه هي الطريقة الكلاسيكية لإدارة الحملات الانتخابية، وقد ثبت خطؤها في 2008 على يد التحالف الفائز الذي منح أوباما انتصاره الانتخابي التاريخي. فهو لم يفز بالانتخابات عن طريق الاتجاه إلى الوسط، وحملته الانتخابية في 2008 تبنت وعداً مختلفاً:

وهو أن الانتخابات لا ينبغي أن تكون لعبة حسابات بحتة، كما درجت العادة في واشنطن. وبدلاً من التنافس على العدد المتضائل باستمرار من الناخبين المتقلبين، خاض أوباما حملته لكسب عدد أكبر بكثير من الناخبين الذين أداروا ظهورهم للعملية السياسية بأكملها.

كانت تلك مغامرة جريئة، ولقد نجحت بالفعل. وبحسب دراسة جديدة أعدّها مركز "بروجيكت فوت"، شكلت نسبة الناخبين الجدد 12% من الجمهور الانتخابي في 2008. وقد صوتت أغلبية هؤلاء لصالح أوباما بهامش 2 إلى 1. والنتيجة حصول أوباما على أصوات 10 ملايين ناخب يصوتون لأول مرة، علماً أنه فاز على خصمه الجمهوري بفارق 9.5 ملايين صوت.

وكانت شريحة كبيرة من الناخبين الذين منحوا أوباما انتصاره الانتخابي، مكونة من الأميركيين الأفارقة واللاتينيين والفقراء. وقد ارتفعت نسبة الأميركيين الأفارقة الذين يدلون بأصواتهم من 17% في 2004 إلى 19% في 2008. وهذا يعني أن هناك 800 ألف أميركي إفريقي صوتوا لأول مرة.

وبين اللاتينيين، ارتفعت نسبة التصويت من 22% في 2004 إلى 28%، مضيفة 800 ألف شخص صوتوا لأول مرة. أما شريحة الفقراء الذين يقل دخل عوائلهم عن 15 ألف دولار سنويا، فقد ارتفعت نسبة التصويت بينهم من 18% إلى 34%.

وهؤلاء هم الأشخاص أنفسهم الذين تضرروا أكثر من غيرهم بالركود الاقتصادي، فمعدلات البطالة بين الأميركيين الأفارقة الآن أعلى بكثير من متوسط معدلات البطالة في الولايات المتحدة. لا بل إنه حتى عندما انخفض معدل البطالة العام قليلاً في شهر مارس إلى 8،8%، ارتفع معدل البطالة بين الأميركيين الأفارقة إلى 15،5%، بينما بلغ معدل البطالة بين اللاتينيين 11.1%. وبالطبع فإن التدمير المتواصل لشبكة السلامة الاجتماعية، يؤثر بشكل كبير على كل هؤلاء الناخبين متدني الدخل.

ولقد كتب الكثير عن الاستياء في أوساط القاعدة الديمقراطية، التي تعني عادة العناصر الناشطة في الحزب، أو ما يسمى "اليسار التقدمي" الذي اشتكى روبرت غيبس بشأنه خلال الحملة التحضيرية للانتخابات النصفية في 2010. لكن معظم هؤلاء سيصوت بالتأكيد لصالح أوباما، حتى ولو بفتور. وما يهم في النهاية أنهم سيصوتون.

والسؤال المهم هنا؛ ما الذي سيحدث لجميع الناخبين الجدد الذين أدلوا بأصواتهم لأول مرة في 2008، ولكل أولئك الذين بلغوا السن القانوني للتصويت في 2008؟ لقد كان عدد الشبان الذين صوتوا في تكل الانتخابات أكثر بـ2.2 مليون من الشباب الذين صوتوا في 2004، وصوّت هؤلاء لصالح أوباما على حساب مكين، بهامش يتراوح بين 66% و32%.

لكن بخلاف القاعدة الديمقراطية التي ليس لها خيار آخر، فإن هؤلاء الناخبين الجدد، خاصة الشبان وأبناء الأقليات والعوائل متدنية الدخل، لديهم شيء آخر يفعلونه في يوم الانتخابات، وهو أن يبقوا في منازلهم.

إذن ما الذي يفعله أوباما ليصل إلى هؤلاء الناخبين الذين يبدو بشكل متزايد أنهم قد يمتنعون عن الإدلاء بأصواتهم؟ بالطبع، هؤلاء لن يسرهم خفض العجز في الميزانية على حساب نمو الاقتصاد وخلق فرص العمل. وتقول الدراسة التي أجراها بروجيكت فوت:

"إن الأشخاص الذين صوتوا لأول مرة في انتخابات 2008، يريدون بقوة دوراً فاعلاً للحكومة في ضمان العدالة الاجتماعية وفرص التعليم". وعلى سبيل المثال، فإن 79% من أولئك الناخبين الجدد يعتقدون أنه يجب تعزيز الاقتصاد، عن طريق زيادة الإنفاق على المشاريع العامة والبنية التحتية. و86% يدعمون زيادة الإنفاق على التعليم.

وبدلا من ذلك، يفاجأ هؤلاء برؤية البيت الأبيض يتبنى المبادئ الجمهورية، مثل إعطاء الأولوية لإجراء تخفيضات كبيرة في الإنفاق العام، حتى في ظل الوضع الاقتصادي الضبابي الحالي. والمناظرات الوحيدة التي تدور في هذا الشأن الآن، هي ما إذا كانت تلك التخفيضات في الميزانية ستكون قاسية أم قاسية على نحو لا يصدق. هذا هو الإطار الرسمي المقبول للمناظرات الآن في واشنطن، فقد اختار أوباما أن يقبل بالهامش الضيق الذي تتيحه له الحكمة التقليدية.

ليست هذه هي القيادة التي ألهمت 10 ملايين شخص للتصويت لأول مرة في حياتهم. وكما كتب جون جوديس في تحليله للاتجاه الخاطئ الذي يسير فيه البيت الأبيض، فإن "أوباما، للأسف، قبل بالمنطق الجمهوري حول أسباب المتاعب التي يواجهها الاقتصاد. والنتيجة هي إبطال قدرة الديمقراطيين على تقديم برامج شعبية تحفز النمو وتنقذ الوظائف وتخفف شعور الناس بعدم الأمان".

إن ملايين الناخبين الذين توجهوا إلى صناديق الاقتراع لأول مرة في حياتهم من أجل التصويت لأوباما، يملكون أن يبقوا في منازلهم يوم الانتخابات ويحرموه من فترة رئاسية ثانية. وهم مهتمون في حقيقة الأمر بخلق فرص العمل، وما يحركهم ويستحثهم هو قيادة من نوع خاص اعتقدوا أنهم صوتوا لها. قيادة لا تقبل بالهوامش الضيقة القائمة على حسابات المصلحة الشخصية والمؤشرات الخاطئة للمناظرات الاقتصادية، التي تروج لها الأوساط الرسمية في واشنطن.

 

Email