وفاة الرباعية الدولية غير مأسوف عليها....

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يكن لاجتماع الرباعية الدولية الذي انعقد في واشنطن يوم الاثنين الماضي، الحادي عشر من الجاري، ولا لو اجتمعت الرباعية الدولية مائة مرة، أن تقدم حبل إنقاذ لعملية السلام التي تكاد تلفظ آخر أنفاسها بسبب استحالة التوفيق بين الشروط الإسرائيلية والشروط الفلسطينية، وفي ظل انحياز الولايات المتحدة بالكامل لصالح المواقف والسياسات الإسرائيلية.

الاجتماع انعقد بعد غياب طويل، وتأجيلات متكررة وجاء متزامناً مع الموعد المتاح للفلسطينيين، لكي يتقدموا إلى الأمم المتحدة بمشاريع قرارات تتعلق بحدود الرابع من حزيران 1967 كمرجعية للمفاوضات، وقبول الدولة الفلسطينية بعضوية كاملة في المؤسسة الدولية، وكان واضحاً أن الهدف منه (أي الاجتماع) محاولة الخروج بموقف من الرباعية يقنع الفلسطينيين بالتوقف عن توجههم إلى الأمم المتحدة والعودة إلى المفاوضات.

كانت إسرائيل تعرف مسبقاً، وتشعر بثقة عالية، أن الاجتماع لن يتمكن من إنقاذ المفاوضات، ذلك أنها تملك من المعطيات حول موقف الولايات المتحدة، ما يكفي للحكم على اجتماع الرباعية الدولية بالفشل، وهو ما قد حصل فعلاً، حيث لم تنجح أطراف الرباعية حتى في إصدار بيان مشترك.

الفلسطينيون تفاءلوا بإمكانية أن تتبنى الرباعية الدولية موقفاً يستند إلى ما أعلنه الرئيس الأميركي باراك أوباما في خطابه يوم التاسع عشر من مايو الماضي، وربما خلاله إلى العودة للمفاوضات، على أساس حدود الرابع من حزيران 1967، لكنهم أي الفلسطينيين تجاهلوا التراجع السريع الذي وقع من قبل الرئيس الأميركي نفسه، حتى قبل أن يرفض هو وإسرائيل المبادرة الفرنسية التي كانت تدعو إلى عقد مؤتمر دولي للسلام في باريس، استناداً لما ورد في خطاب أوباما.

عندما تفشل الرباعية الدولية في اتخاذ موقف بين أعضائها، يصلح لجهد تقوم به من أجل التوفيق بين الشروط الإسرائيلية والفلسطينية المتعاكسة، فإنها بذلك تعلن عن وفاة هذه الآلية التي انبثقت عام 2002، بعد الإعلان عن خارطة الطريق، التي توفيت هي الأخرى قبل وقت طويل.

سلسلة من إعلانات العجز والفشل ميزت كل الآليات التي تمسك بها المجتمع الدولي لدفع عملية سلام الشرق الأوسط، وكانت كلها بسبب الخضوع والانحياز للسياسات الإسرائيلية التي لم تتوقف عن تقديم المزيد من الاشتراطات التي إن قبل بها الفلسطينيون، فإن ذلك كان سيعني انتهاء وتبديد القضية والحقوق الفلسطينية كلها من ألفها إلى يائها.

في الواقع، وبالرغم من مشاعر الإحباط وخيبة الأمل التي ولدتها التراجعات المتواصلة للرئيس أوباما عن مواقف سبق أن أعلنها، ولم يصمد عليها طويلاً، بالرغم من هذه المشاعر، فربما يمكن أن نسجل للرئيس الأميركي حسنة، فهو بسلوكه وتراجعاته، وتقبله للإهانات من قبل إسرائيل، قد أماط اللثام كلياً، عن الوجه الحقيقي للسياسات الأميركية، مما يردع كل عقل متساهل، أو داهمه بإمكانية أن تلعب الولايات المتحدة دوراً معقولاً في حل قضايا الصراع العربي- الإسرائيلي.

نجحت إسرائيل في تجميد ما لا يعجبها في اتفاقيات أوسلو، ثم في المراهنة على دور نزيه نسبياً للولايات المتحدة، ثم في تنفيذ خارطة طريق أميركية الصنع، ثم نجحت أيضاً في إبطال وشل دور الرباعية الدولية، لكي تقيد كل الملف إلى دائرة الصراع المفتوح.

وبدون أن يضطر الفلسطينيون للإعلان عن تخليهم عن خيار المفاوضات أو عن دور الرباعية الدولية، فإن إصرارهم على التوجه إلى الأمم المتحدة، ينطوي بشكل أو بآخر على إقرار بفشل الآليات التفاوضية، المعمول بها، بما في ذلك فشل الدور الأميركي، ذلك أن التوجه للأمم المتحدة يعني أيضاً البدء بسحب الملف من يد الولايات المتحدة، وكل الصيغ التي أنتجتها، إلى آلية جديدة هي الأمم المتحدة.

هذا التحول الذي تقاومه الولايات المتحدة وإسرائيل، ينطوي على أبعاد استراتيجية، حيث يتم نقل الصراع إلى الأمم المتحدة، وانطلاقاً من قائمة كبيرة من القرارات والتشريعات والقوانين التي تضعف الفلسطينيين ودأبت إسرائيل على فرضها جملةً وتفصيلاً.

الفلسطينيون لن يعلنوا الحرب على إسرائيل، فلقد أتقنوا لغة التخاطب مع المجتمع الدولي، فهم لا يزالون طلاب سلام، وساعون للمفاوضات، ومستعدون للبحث عن حقوقهم في كل زوايا القانون الدولي، والقرارات الدولية، والشرعية الدولية، التي تتيح لهم المجال لتصعيد نضالاتهم الشعبية والسياسية والدبلوماسية والقانونية، وحتى العنفية، رغم إدراك الفلسطينيين أن خيار العنف لا يتقدم في الظروف الراهنة، وهناك أشكال النضال الأخرى.

قد يقول قائل إن الولايات المتحدة لا تدرك أبعاد التغيرات الاستراتيجية الجارية في المنطقة العربية، تلك التغييرات التي تبشر بعصر أفضل للقضية الفلسطينية، وقضايا وحقوق الشعوب العربية، غير أن الأمر ليس على هذا النحو بالضبط، ومن الواضح أن الولايات المتحدة تدرك أبعاد التغيير الجاري والمرتقب في البيئة العربية، وربما تدرك أن إسرائيل ستعض على أصابعها ندماً لأنها أفقدت نفسها فرصة لتحقيق السلام بأثمان زهيدة، لكن المشكلة تكمن في أن الرئيس باراك أوباما قد وضع نصب عينيه وفي مقدمة أولوياته، الفوز بولاية رئاسية ثانية في الانتخابات التي ستقع نهاية العام المقبل.

هذا يعني أن أوباما مستعد لتقبيل أيادي الإسرائيليين، واللوبي اليهودي، ولأن يقدم كل شيء، ويفعل كل شيء من أجل نيل الرضى، حتى لو كان ثمن ذلك، تراجع مصداقية الولايات المتحدة، أو تحمل المزيد من الإهانات الشخصية.

وعملياً فإن اجتماع الرباعية الدولية في واشنطن بقدر ما أنه إعلان وفاة لهذه اللجنة المشلولة أصلاً، فإنه إعلان غير رسمي عن الانتقال من مرحلة البحث عن السلام من خلال المفاوضات إلى مرحلة الصراع المفتوح، حتى لو أعلن الجميع التزامهم بالسلام والمفاوضات فذلك لن يكون إلا جزءا من تكتيكات وأشكال خوض الصراع.

 

Email