أوباما وروح الاتحاد في أميركا

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد ما يقرب من 10 سنوات من الحديث عن تعقب أسامة بن لادن، تم الأمر في النهاية. ويثير الدهشة مدى اختلاف العالم، على الأقل في الوقت الراهن. في إطار الإعلان عن أن ابن لادن قتل على يد القوات الأميركية، قال الرئيس باراك أوباما إنه كان قد أصرّ على: «أننا حصلنا على معلومات كافية لاتخاذ الإجراء اللازم». وهذا ما قام به. واتخذ الإجراء. وهذا الإجراء الملموس، والنجاح الذي أعقب الغارة، كان لهما تأثير نفسي مباشر على امتداد أميركا. قال «سكوت تالان»، الأستاذ بالجامعة الأميركية، لـ«ديف ويغيل» مراسل مجلة «سليت» خارج البيت الأبيض، حيث تجمعت حشود من الأميركيين للاحتفال بالأنباء السارة: «إنه لأمر لطيف حقاً بالنسبة للولايات المتحدة أن تنجز شيئاً ما كانت تحاول القيام به».

البروفسير محق، فهذا التطور جاء في الوقت الذي أصيب كل شيء في أميركا بالشلل سياسياً، حيث يشعر 70% من الناس في أميركا بأنها تسير على المسار الخاطئ، وحيث يبدو أن الحلول الحقيقية لمشكلاتنا أبعد ما تكون عنا، وهناك قوة هائلة غير مباشرة في هذا الإنجاز. هل يمكن أن يفرز هذا النصر الحقيقي الملموس ظروفاً يمكن أن تؤدي إلى المزيد من النجاحات؟

لقد أشار أوباما نفسه إلى «روح الوحدة التي سادت نتيجة أحداث الحادي عشر من سبتمبر»، وأعلن أن مهمة ابن لادن كانت «شاهداً على عظمة بلادنا وتصميم الشعب الأميركي». أشار «جيف زيليني» و«جيم روتينبيرغ» في صحيفة «نيويورك تايمز» أخيراً إلى «اللهجة الإيجابية» الجديدة من الجمهوريين البارزين عن الرئيس، في حين حذرا من أننا «سنرى مستقبلاً إلى مدى اغتيال (بن لادن)، كونه مأساوياً، من شأنه أن يعيد ترتيب المشهد السياسي». صحيح. لكن الكثير من ذلك يعتمد على ما يحدث مع يقوم به الرئيس إزاء هذه اللحظة النادرة وغير المتوقعة من الوحدة الوطنية.

والسؤال الذي دعاني للتفكير هو: ما هي بعض الانتصارات القابلة للتنفيذ والتحقيق التي يمكن من خلالها أن يتحرك الرئيس أوباما إلى المرحلة التالية، وهي بعض الأمور التي يتفق عليها كلا الطرفين، في الوقت الذي من الواضح أنها تفتقر إلى ضخامة عملية قتل ابن لادن. نسوق هنا مثالاً صغيراً، وهو إعانات النفط والغاز. من الواضح أن هذه ليست هي القضية الأكثر أهمية في العالم، فالتعامل مع مشكلة البطالة والاقتصاد يجب أن يكون المهمة الأولى على الجبهة الداخلية، لكنها قضية حقيقية، وظروف العمل كانت مواتية حتى قبل إعلان الرئيس مقتل ابن لادن أخيراً.

في الواقع، وجه أوباما نداءً مباشراً لإنهاء هذه الإعانات في خطابه عن حالة الاتحاد الذى ألقاه في يناير الماضي، حيث قال: «إنني أطلب من الكونغرس بأن يتم استبعاد المليارات من أموال دافعي الضرائب التي نعطيها حالياً لشركات النفط». وأضاف: «أنا لا أعرف إذا كنتم قد لاحظتم، لكنها تمضي على نحو جيد اعتماداً على نفسها. يمكننا أخذ الأموال التي ننفقها «لدعم طاقة الأمس»، و «الاستثمار في المستقبل».

عاد أوباما إلى هذه المسألة في خطابه الأسبوعي أخيراً، قبل أن يطرح إعلانه المذهل عن ابن لادن، وقال: «لدي مشكلة مع إعانات دافعي الضرائب غير المضمونة التي نوزعها على شركات النفط والغاز، لتصل قيمتها إلى 4 مليارات دولار في السنة».

ما هو أكثر من ذلك، هو أنك ليس عليك توصيل نقاط كثيرة جدا لإيجاد زاوية للأمن القومي في كل هذا. بالإضافة إلى ذلك، فإن إنهاء الإعانات هو الحل المطروح في السوق الحرة، الذي من شأنه أن يضع الحكومة مرة أخرى على جانب العدالة. فسوف يظهر للشعب الأميركي أن الحكومة تقف إلى جانبهم، وقادرة على اتخاذ إجراءات ملموسة من أجل المصلحة العامة.

في الوقت الذي من الواضح أنه ليس هناك مستوى من الوحدة حول إنهاء هذه الإعانات، كما كان بشأن تعقب ابن لادن، فإنها على نحو متزايد تعتبر قضية تتحرك إلى فئة ما يتجاوز اليسار واليمين.

في الواقع، منذ عرض الرئيس اقتراحه في يناير الماضي، فقد حظي بصحبة بارزة على الجانب الآخر من الممر. كان ذلك من خلال إجابة رئيس لجنة الميزانية الجمهوري في مجلس النواب الرئيس «بول رايان»، رداً على سؤال طرحته «كريستيان أمانبور» عما اذا كان «سوف ينهي الإعانات لشركات النفط»، فقال: «أه، نعم. اعتقد بأننا يجب علينا التخلص من جميع تلك الثغرات. ولا تنس، فهناك الكثير من الرفاهية في الإنفاق في الشركات التي يتم إدراجها في ميزانيتنا من قبل كلا الحزبين بسبب مصالح قوية، ونحن نريد التخلص من كل ذلك». وينضم إليه أعضاء من الحزب الجمهوري في المجلسين. في الشهر الماضي، عارض السيناتور «مارك كيرك» الإعانات، قائلاً لمحطة «سي سبان (مردداً ما قاله الرئيس أوباما) إن شركات النفط هي «تحقق إنجازاً جيداً اعتماداً على نفسها».

وأصدر المتحدث باسم النائب «ريد ريبيل» من ولاية ويسكونسن هذا البيان: «إنه يعتقد بأن جميع إعانات الط اقة لابد من مراجعتها بشكل شامل في هذه الميزانية المقبلة. ويعتقد بأن شركات الطاقة يجب أن تعتمد على نفسها دون دعم». إن إنهاء إعانات النفط والغاز لن يعيد صياغة سياسة الطاقة لدينا بين عشية وضحاها. لكن الاستمرار في هذه الإعانات المبالغ فيها للشركات التي تحقق أرباحاً بمليارات الدولارات يعرقل أي حافز للسوق الحرة التي يجب أن تطور البدائل، وبالتالي تطيل المدى الزمني الذي ندعم خلاله الحكومات القمعية في مختلف أنحاء العالم.

إن مهمة تنفيذ العدالة على أسامة بن لادن كانت بمثابة نصر عظيم وشهادة في حق الجنود الشجعان الذين قاموا بتطبيقها. فقد جاءت في وقت لم تعد مثل هذه الانتصارات الواضحة والحالية تبدو ممكنة. ولكن ليس هناك مبرر لضرورة إنهاء هذا الشعور الملموس بالإنجاز في أبوت أباد. هناك الكثير من القضايا، بعضها صغير والبعض الآخر كبير، لكنها جميعها جديرة بالاهتمام، وملموس وواقعي، التي نتفق عليها جميعاً. أو على الأقل يمكننا الاتفاق عليه، وذلك في حال ما إذا كان رئيس يحظى برصيد سياسي جديد ينفق بعضه من أجل إنجاز المزيد من الانتصارات التي تحظى بالتوافق من جانب الأميركيين.

Email