أفغانستان هاوية مالية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لو قرأت تقريرين حكوميين جديدين بشأن المساعدات الأميركية لأفغانستان، لأصابك الذهول أولاً، ثم الغضب الشديد بعد ذلك، تماما كما حدث لي. بعد عشر سنوات من الحرب الأفغانية، لا تزال الحكومة الأميركية تلقي بعدة مليارات من الدولارات، بلا روية، في المؤسسات الأفغانية التي تسرق بعضها، وتمرّر البقية للمسلحين الذين يستخدمونها لقتل القوات الأميركية.

على سبيل المثال؛ لم تبذل وزارة الخارجية الأميركية أدنى جهد على مدى العقد الماضي، لتحديد ما إذا كان الأفغان المستفيدون من المنح لصوصاً أم خونة، قبل تسليمهم عشرات الملايين من الدولارات. وتحت ضغط من المدققين الفيدراليين، تقول الحكومة إنها قامت الآن "بتجنيد فريق صغير" بدأ بتصميم مشروع تجريبي لتحديد ما إذا كانوا يوما ما، مقاولين مخضرمين ومستفيدين من المنح. حتى ذلك الحين، حسبما اعترفت الحكومة، فإن أفغانستان ربما لا يمكن أن تدرج ضمن العمل في المشروع. أبدت الوزارة شكواها من أن كل شيء معقد للغاية!

تكبد الحرب الأفغانية الآن الولايات المتحدة حوالي 120 مليار دولار سنوياً، ويخصص جزء محدود منها للمساعدات التنموية، ما يعادل 17.2 مليار دولار في 2009 و2010. الآن، وفي الوقت الذي يتطلع قادة الولايات المتحدة وحلف "ناتو" إلى ما سوف يحدث في عام 2014، عندما يفترض أن ترحل القوى الغربية، فإنه يتعين عليهم أن يمهدوا الطريق "بطريقة تسمح لجهودنا أن تحل محلها حكومات محلية فعالة بمرور الوقت، ومجتمعات مدنية مزدهرة وقطاعات خاصة نابضة بالحياة"، على حد وصف الدكتور "راج شاه" مدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.

ترى هل يمكن أن يكون أكثر سذاجة؟

دعونا نذكر بعض الحقائق عن الدولة التي نحاول مساعدتها. تعد أفغانستان على نحو مثير للجدل، البلد الأكثر بدائية على وجه الأرض. فهناك عشرون طفلاً من كل 100 طفل يموتون قبل بلوغهم سن الخامسة، والذي قد يكون أسوأ معدل وفيات في العالم. وما يقرب من ثلثي الذين يبقون على قيد الحياة، يعانون من التقزم بسبب نقص التغذية في مرحلة الطفولة. ويبلغ متوسط نصيب الفرد من الدخل 370 دولاراً، مما يجعل أفغانستان إلى حد كبير، أقل ازدهارا من هايتي أو بنغلاديش أو غانا أو السنغال. ومشكلة الأمية عامة تقريباً، ويصل متوسط العمر إلى 44 سنة، من بين الأدنى على مستوى العالم.

في الوقت نفسه، قد تكون أفغانستان أكثر دول العالم فساداً. فقد صنفت منظمة الشفافية الدولية، أفغانستان مع ميانمار في المرتبة قبل الأخيرة من بين 178 دولة شملتها الدراسة. وتأتي الصومال في آخر مرتبة من الدراسة، ولكنها ليست دولة ذات فعالية.

لذلك، وفي ضوء هذه الحقائق، كيف ينوي "شاه" بالضبط إنشاء "المجتمعات المدنية والقطاعات الخاصة المزدهرة النابضة بالحياة"، في بلد عكفنا على العمل فيه لمدة 10 سنوات، ولم نحقق ذرة من التقدم نحو تلك الأهداف؟ يشير أحد التقارير، الذي أعدته لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، إلى أن الدليل على إحراز التقدم "محدود"، ويشير بعض البحوث إلى "عكس ذلك"، فالوضع آخذ في التدهور حقاً.

في الواقع، فإن التقريرين الحكوميين يطرحان النقطة التي لا جدل بشأنها، والتي تفيد بأن المعونة الغربية تشوه الاقتصاد الأفغاني للغاية، ذلك أن 97% من الناتج المحلي الإجمالي الأفغاني، تأتي من الإنفاق الحكومي الخارجي، لدرجة أن الاقتصاد سينهار على الأرجح بمجرد انسحابنا.

إذن، ها هي الخطة الأميركية؛ الخطة يطلق عليها سياسة "الأفغان أولاً". ومن بين المفاهيم الأخرى التي تتضمنها الخطة، أنها تدعو الدول المانحة لتقديم المزيد والمزيد من أموال المساعدات، مباشرة إلى الحكومة الأفغانية. ربما ستقوم الحكومة بعد ذلك بإيداعها في البنك الذي سيحل محل بنك كابول الذي تجري تصفيته الآن، لأن أسرة قرضاي استخدمت ودائعه كحسابات شخصية خاصة بها (اللجنة التي عينها الرئيس الأفغاني قرضاي برأت الأسرة من أي اتهام). إذن، كيف يمكن للولايات المتحدة ضمان أن المعونة المباشرة المتزايدة لا يساء إنفاقها؟

أما التقرير الآخر الذي أعده مكتب المحاسبة الحكومي، فيشير إلى أن مكتب وزارة الدفاع الذي أنشئ في أغسطس الماضي، بعد تسع سنوات من الحرب، الهدف منه هو تعليم وتدريب المستفيدين الأفغان من المساعدات. وقام ثمانية عشر مراجعاً، يعملون في مدينة "تامبا" من بين جميع الأماكن، بفحص العقود. لكنهم نظروا في القضايا بعد حصول الجماعات الأفغانية بالفعل على المال، ويفترض أنها بدأت إنفاقه. فهم لا ينظرون في المنح التي تقل عن 100 ألف دولار، وهي الغالبية العظمى من المنح، ولا يبذلون أي جهد لدراسة المقاولين من الباطن، وهم عادة الذين يستفيدون بالكثير من المال.

هل تشعرون بالغضب؟ حسناً، لقد أرادت هيئة المعونة الأميركية فتح مكتب مماثل، لذلك أرسلت قضية اختبار لمكتب وزارة الدفاع، لترى كيف تم التعامل معها، وعاد هؤلاء المدققون في وزارة الدفاع إلى الهيئة بعد ثلاثة أشهر. وحتى الآن، في مدى 10 أشهر، قام المكتب بالنظر في 248 عقدا خاصا بالمساعدات الأفغانية، من إجمالي 8487 عقداً.. وهذا يزيد قليلاً على عقد واحد لكل مراقب حسابات شهرياً!

كل هذا يثبط الهمم، وعلى حد وصف لجنة العلاقات الخارجية، فإنه يجب أن يبدأ الأميركيون مواجهة تحدي افتراض أن برامج الاستقرار لدينا "تسهم في تحقيق الاستقرار".

Email