الاقتصاد الأميركي والسباق الرئاسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك شيء واحد طيب، على الأقل، ظهر من أرقام الوظائف الكئيبة في مايو الماضي، وهو أن فريق إعادة انتخاب الرئيس الأميركي باراك أوباما، قرر الاعتراف بالحالة الهشة للاقتصاد الحقيقي كجزء من رسالته.

أولاً، الأرقام التي أصبحت مألوفة الآن، مفادها أن الاقتصاد أضاف ما مجموعه 54 ألف وظيفة في مايو الماضي، أي أقل 10 آلاف وظيفة مما كان متوقعاً. يأتي ذلك في أعقاب المعدل الكئيب لنمو الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الأميركي، وهو 1.8% خلال الربع الأول

. وما هو أكثر من ذلك، أنه تمت مراجعة أرقام الوظائف في مارس وإبريل الماضيين، بتخفيضها بواقع 39 ألف وظيفة. ومما يؤسف له أن الأوان قد فات على المراجعة بالصعود، لاستجابة إدارة الرئيس أوباما لأزمة الوظائف خلال العامين الماضيين.

وبدلاً من ذلك، فقد أهدر البيت الأبيض وقتاً ثميناً في الإشارة إلى براعم خضراء شبحية، والانضمام إلى قادة الحزبين في تحويل تركيز أميركا من توفير الوظائف إلى خفض العجز، متجاهلاً عمداً المعاناة المستمرة في جميع أنحاء أميركا.

يعد هذا أمراً مثيراً للصدمة حقاً. ليس لأن فريق الرئيس أدرك أن استعراض "الصباح في أميركا" يتم إحباطه، ولكن لأنه تم التفكير في السير تحت هذه الراية في المقام الأول.

وحتى لو أن عدد الوظائف جاء كما هو متوقع عند 150 ألف وظيفة، أو حتى لو جاء بأعلى مما كان متوقعاً، لنقل عند 200 ألف وظيفة، وبقيت عند هذا المستوى لعدة أشهر، فلن نصل إلى شعار "الصباح في أميركا". للأسف، الكثير جداً من أميركا على ما يبدو أقرب إلى منتصف الليل الدائم.

وبحسب وصف "بيتر غودمان" مدير تحرير القسم الاقتصادي في "هافبوست"، فإن الظروف الكامنة وراء هذه الأرقام "مألوفة بالفعل على نحو يتجاوز نطاق الاقتصاديين وصانعي السياسات المهنيين". وهذا ما يدركه معظم الأميركيين في قرارة أنفسهم، على حد وصف "غودمان"

، وليس من تقارير الحكومة والتأملات المجردة من جانب الاقتصاديين، بل من المخاوف اليومية التي ترافق نظرة عابرة على دفاتر الشيكات وأحدث بطاقات الائتمان الخاصة بهم، وهو أنه لا توجد أي انفراجة في الأفق. لا أحد في وضعية التأثير على هذه الصورة الكئيبة، يوظف الطاقة الحقيقية لتحسينها، والأقل من الجميع هو البيت الأبيض.

حيث تعتبر القيادة أمراً حتمياً. وبدلا من ذلك، تبنى البيت الأبيض رسالة الحزب الجمهوري، التي مفادها أن مشكلة العجز أكبر من مشكلة الوظائف، حيث يقوض قدرته على الدفع في اتجاه إيجاد وسائل إضافية لتحفيز الاقتصاد.

والآن يزعم الرئيس أوباما وفريقه، أنه ليس هناك الكثير مما يمكنهم القيام به. لكن ما لم يذكروه هو كيف أنهم كانوا متواطئين في تهيئة الظروف التي تركتهم، وليس في وسعهم الكثير ليفعلوه. فقد تخلوا عما لديهم من ذخيرة، والآن يتحججون بأنهم عاجزون... بسبب نقص الذخيرة.

الحكمة التقليدية مفادها أنه "ليست هناك رغبة داخل الكونغرس" لإجراءات تحفيز إضافية. ولكن، في الواقع، لدى أعضاء الكونغرس شهية لما يشتهي ناخبوهم. فمنذ شهور، سمع الأميركيون أن الرئيس أوباما يتفق مع الحزب الجمهوري، في أن العجز هو المشكلة الأكبر في أميركا.

. فلو أن البيت الأبيض كان قد قال الحقيقة، وأن انعدام الوظائف والنمو الاقتصادي الهزيل هما أكبر تهديدين تواجههما أميركا، لكان الكثير من الأميركيين أكثر انفتاحاً على اقتراحات إيجاد الوظائف. بل إن الرئيس أوباما، حتى في أعقاب الجولة الأخيرة من الأرقام المثيرة للأسى، يبدو سلبياً على نحو غريب.

وقال، أخيراً: "تلقى الاقتصاد الأميركي ضربة كبيرة. الأمر تماماً كما لو أصابتك وعكة صحية، فلو اصطدمت بشاحنة، فسوف يستغرق الأمر بعض الوقت للتعافي".

إن التعرض للاصطدام من قبل شاحنة ليس استعارة سيئة، لكنه فاته شيء محدد. فلو أنك تعرضت للاصطدام من الشاحنة، سيتم نقلك إلى المستشفى للخضوع لتدخلات كبيرة. وعندما يتم توصيلك بعربة المستشفى عبر أبواب غرفة الطوارئ، يتفاعل الناس مع حالتك، ويتحركون بهدف وبسرعة، ويتم إحضار الآلات، وتتخذ التدابير الطارئة.

.. لكن هذا لا يحدث مطلقاً مع الاقتصاد. فبدلاً من ذلك، يرتطم الاقتصاد بالشاحنة، ويتم حمله إلى غرفة الطوارئ، ويترك القائمون عليه المريض لكي يشفى من تلقاء نفسه، في حين يذهبون إلى الغرفة الخلفية للحديث عن خطة بناء طويلة الأجل للمستشفى. بين الحين والآخر، يأتون إلى المريض لكي يقولوا له: "تذكر، لقد أصبت من اصطدامك بشاحنة. وسوف يستغرق الأمر بعض الوقت للشفاء".

ولكن ليس كافياً أن يؤكد لنا الرئيس أوباما أنه "سيكون هناك بعض الوقت للتعافي"، فالتقاعس من جانب الإدارة الأميركية في مسألة الوظائف، واستسلامها المطلق للجمهوريين بشأن العجز، أوجد فراغاً، ما يسمح لـ"ميت رومني" بالذهاب إلى "نيوهامشاير"، دون أن يقدم خطته، يزعم أن أوباما "خذل أميركا" من دون أن يتم إخراجه من الولاية، وسط موجة من الضحك.

إنه ادعاء أجوف، بالتأكيد. ولكن إذا ترك منصب الشخص الذي يفترض أنه يعنى بالوظائف فارغاً، فإن الشعب الأميركي سوف يبحث عن شخص آخر لملء هذا الفراغ.

Email