حتى لا يربح الإسرائيلي السبق

ت + ت - الحجم الطبيعي

فيما يستنزف الفلسطينيون وقتهم وجهدهم في تجاوز خلافاتهم لإطلاق آليات ومحطات وثيقة المصالحة الوطنية التي تم توقيعها في القاهرة في الرابع من الشهر الماضي، ينشط الإسرائيليون على نحو مركّز ضمن حملة مصممة لإفشال مسعى الفلسطينيين للحصول على اعتراف من الأمم المتحدة بدولتهم على حدود الرابع من حزيران 1967.

استحقاق سبتمبر كما يصفه الفلسطينيون، مرتبط بآليات محددة تتبعها مؤسسات الأمم المتحدة في مثل هذه الحالات، وتبدأ بتقديم طلب انضمام بعضوية كاملة للمؤسسة الدولية، إلى الأمين العام للأمم المتحدة، خلال العشر الأواخر من شهر يوليو المقبل. الوقت إذاً يتيح للفلسطينيين اتباع الآليات والجوانب الفنية والقانونية، التي تسمح بوضع طلباتهم أمام مجلس الأمن الدولي في الوقت المناسب، ولكن المسألة تصبح شكلية جداً، ولا مضمون حقيقي لها ما لم تتزامن مع جهد فلسطيني جماعي، نشط، يستند إلى جهد عربي وإسلامي، لضمان تحقيق الحد الأقصى المتاح من النجاح.

تدرك القيادات الفلسطينية أن الإصرار على خيار الذهاب إلى الأمم المتحدة، ينطوي على تكلفة عالية، وأن ذلك مؤشر على فقدان الثقة تماماً بالدور الأميركي، وبخيار المفاوضات سبيلاً لتحقيق السلام، مما يعني أن العلاقات الفلسطينية ـــ الإسرائيلية تذهب إلى صراع مفتوح يترتب على الفلسطينيين الاستعداد لخوضه وهم موحدون. الوصول إلى سبتمبر كتاريخ واستحقاق، يرتفع إلى مستوى الخيار، ذلك أن ما يتبقى من العام، لا يكفي لإحداث تحويل في الوجهة العامة لتطور الأمور باتجاه العودة للمفاوضات، وإحياء الأمل في تحقيق السلام.

فالعام المقبل هو عام الانتخابات الرئاسية الأميركية، أي أنه عام شلل سياسي أميركي، وما ان ينتهي العام بإدارة جديدة حتى تكون الانتخابات العامة الإسرائيلية قد أصبحت على الأبواب، ما يعني شللا سياسيا إسرائيليا لمدة عام آخر.

الإسرائيليون أتقنوا خلال الثمانية عشر عاماً الماضية من المفاوضات، اللعب على هذه التبادلية في أجندة الانتخابات الأميركية ــ الإسرائيلية، وقد ساعدهم ذلك في استهلال الكثير من السنوات، بأعذار تبدو منطقية لكنها تستهدف قطع الطريق على أي حل سياسي لا يناسب الرؤية الإسرائيلية للتسوية، وفي الوقت ذاته يمنح إسرائيل وقتاً أطول لتكريس وقائع صعبة على الأرض تؤسس لغرض تسوية غير عادلة. لا يجامل الإسرائيليون إزاء مصالحهم وسياساتهم العدوانية، حتى لو أدى ذلك إلى خلاف أو تناقض مع حليفتهم الولايات المتحدة، كما لاحظ ويلاحظ الجميع، فلقد رفض نتانياهو الموقف الأميركي بشأن الاستيطان، ورفض وقاوم الموقف الأميركي بشأن حدود الرابع من حزيران كمرجعية للمفاوضات بشأن الدولة الفلسطينية، بل إن الإسرائيليين نجحوا معظم الأحيان في تكييف المواقف والسياسات الأميركية مع سياساتهم وفي توظيف الولايات المتحدة للدفاع عن السياسات الإسرائيلية مهما كانت طبيعتها. المحاولة الأخيرة التي تقوم بها الإدارة الأميركية الراهنة، والتي وردت على لسان الرئيس باراك أوباما في خطابه يوم التاسع والعشرين من مايو الماضي، من أجل استئناف المفاوضات، تلك المحاولة باءت بالفشل، وأصبح على أوباما أن يدافع عن مبادرته أمام الرفض الإسرائيلي القاطع والوقح، في عقر دار أوباما.

الرئيس أوباما الذي يقع تحت ضغط الابتزاز الإسرائيلي الذي يستثمر حاجة أوباما للصوت اليهودي الأميركي في الانتخابات الرئاسية المقبلة، تحول إلى مدافع عن موقف نتانياهو المعارض لموقفه، حين انتقد وعطل المبادرة الفرنسية التي كانت تدعو لعقد مؤتمر دولي للسلام في باريس الشهر المقبل، انطلاقاً من الأسس التي وردت في خطاب الرئيس الأميركي.

ولا نعتقد أن مصير المحاولة الأوروبية التي كشفت عنها مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد كاترين آشتون لتقديم مبادرة عبر الرباعية الدولية، لا نعتقد أن مصير هذه المحاولة سيكون أفضل من المحاولة الفرنسية.

ومع ذلك جردت إسرائيل حملة سياسية ودبلوماسية نشطة لإقناع العديد من دول العالم، بعدم الموافقة على المسعى الفلسطيني بالحصول على عضوية الأمم المتحدة، والاعتراف بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967. ولم ييأس نتانياهو من إمكانية إقناع السلطة الفلسطينية بالتوقف عن التوجه للأمم المتحدة، لكنه في الأغلب لا يتوقع ذلك، وإنما يستهدف إقناع الدول المترددة وبعض الداعمة للحق الفلسطيني بالتوقف عن مساندة الفلسطينيين، فهو أي نتانياهو لا يزال يردد بأن لديه عرضاً سخياً إذا وافق الرئيس محمود عباس على تمزيق ورقة المصالحة مع حماس، وعلى الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل.

والحال هو أن إسرائيل لا تتوقف لحظة واحدة عن العمل على الأرض، استيطاناً وتهويداً للقدس، ومصادرة للمزيد من الأراضي، ولا تتوقف عن ممارسة العدوان وإطلاق المزيد من التهديدات للفلسطينيين، بما في ذلك إجراء تدريبات مكثفة لمواجهة احتمال اندلاع انتفاضة شعبية فلسطينية ثالثة قد تقع في سبتمبر المقبل، فيما الفلسطينيون يتوقفون عند حدود الكلام السياسي.

والسؤال هو كيف للفلسطينيين أن يجابهوا كل هذه التحديات الضخمة والخطيرة القائمة والمرتقبة فيما هم لا يزالوا غير قادرين، أو غير مستعدين للبدء بتنفيذ اتفاق المصالحة الذي يبدأ بتشكيل الحكومة؟ لقد مضى على توقيع اتفاقية المصالحة حوالي ستة أسابيع، والحال لا يزال على حاله من الانقسام، اللهم إلا من وقف الحملات الإعلامية وكثرة الحديث الإيجابي عن أهمية المصالحة وضرورتها.

من الواضح أن الفلسطينيين لا يحسنون الاستفادة من الوقت، الذي يرتب عليهم الإسراع في تنفيذ بنود المصالحة الوطنية واستعادة الوحدة، وإعادة رسم استراتيجياتهم وخياراتهم بشكل جماعي مشترك، كخطوة أولى لازمة قبل التوجه إلى الأمة العربية وإلى الأمة الإسلامية في إطار تجميع عوامل وعناصر القوة في مواجهة التحديات الإسرائيلية الخطيرة والمتصاعدة.

إن تقييم المعطيات والعوامل ذات العلاقة بخيار المفاوضات والسلام، وتدقيقها بالمقارنة مع الوقائع التي تخلقها كل ساعة إسرائيل على الأرض الفلسطينية، يكفي للاستنتاج، بأن طريق المفاوضات بات مغلقاً تماماً، وأن على الفلسطينيين أن يحشدوا كل طاقاتهم لخوض الصراع، بوسائل وأساليب جديدة مع الاستمرار في خطاب مرن سياسياً، ينفتح على العالم الخارجي، بغرض توسيع وتعميق التضامن الدولي مع القضية الفلسطينية.

بعد كل ما مضى من سنوات على خيار المفاوضات، يؤكد أن الصراع الفلسطيني والعربي ـ الإسرائيلي لا يمكن معالجته على أسس تعيد للفلسطينيين حقوقهم في ظل ميزان القوى القائم الذي يرجح بقوة لصالح إسرائيل وحلفائها، كما لا يمكن أيضاً وضع رزنامة زمنية ولو تقريبية، لتحصيل الحقوق الفلسطينية والعربية. وفي ظل ربيع الثورات العربية، يترتب على الفلسطينيين أن ينصرفوا لبناء عناصر قوتهم وصمودهم بما يجعلهم أكثر أهلية للاستفادة من متغيرات البيئة العربية، والتي ستنعكس أيضاً على البيئة الدولية إزاء هذا الصراع المزمن.

Email