أفغانستان واحتمالات المآل الأميركي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تجاه مصير الوضع في أفغانستان ومآله، تقف الولايات المتحدة الآن على مفترق طرق: انسحاب من الميدان يهيئ الفرصة لسلطة طالبان القتالية لاستكمال سيطرتها على كامل الأرض الأفغانية، أم مواصلة البقاء مع استمرار تصاعد نزيف مالي وصل بالعجز الأسطوري في الميزانية الاتحادية حتى الآن إلى مستوى تريليون ونصف تريليون دولار، ودون تحقيق انتصار نهائي وحاسم يعصف بالسلطة الطالبانية؟

إدارة الرئيس أوباما تجتهد في إيجاد طريق وسيط يتمثل في سحب القوات الأميركية، مع نقل المسؤولية الأمنية والعسكرية إلى قوات الحكومة الأفغانية التي يقودها الرئيس حامد كرزاي. ورغم أن الإدارة الأميركية سوف تلتزم بمساعدة هذه القوات مادياً، إلا أن هذا الترتيب يعتبر في ما يبدو، أخف الضررين وأهون الشرّين.

لكن هنا يبرز سؤال: هل تستطيع قوات الرئيس كرزاي، من جيش وشرطة، تحمل هذه المسؤولية بالغة الجسامة، والصمود ضد قوات طالبان القتالية، فضلاً عن كسر شوكتها؟

وللسؤال صيغة أخرى: هل يرغب الرئيس كرزاي فعلاً في البقاء داخل أفغانستان بعد الرحيل الأميركي النهائي؟

وثمة تساؤل آخر:

في ظل تدهور الاقتصاد الأميركي الراهن وانتشار وتوسع البطالة داخل الولايات المتحدة، مع غلاء متصاعد في تكاليف المعيشة اليومية للأسر الأميركية، هل يقبل الرأي العام الأميركي مواصلة الإنفاق التدميري على حرب خارجية بالغة الاستنزاف؟!

في يوليو المقبل يشرع الرئيس أوباما في تطبيق خطته لانسحاب بطيء ومتدرج كما هو معلن. ولو أن هناك شخصية سياسية أفغانية واحدة تعرف أسرار الوجود العسكري الأميركي في أنحاء أفغانستان ومآلات تحركاته، فهي حامد كرزاي. ولا شك أنه يدرك من موقعه الرئاسي في العاصمة كابول، أن هناك عملية عد تنازلي للوجود العسكري الأميركي قد بدأت بالفعل.

لقد ورد في الأخبار أن كرزاي يجري اتصالات سرية مع قادة طالبان، بما يفيد أنه يريد ترتيب حساباته ليهيئ نفسه مع ما يرى من مؤشرات، لقرب حلول نهاية الحرب لصالح نظام طالبان.

خلال العامين الأخيرين صار المشهد العسكري في أفغانستان، صورة طبق الأصل من المشهد الفيتنامي قبل أكثر من ثلاثة عقود زمنية، خلال المرحلة الأخيرة من الحرب الأميركية على الأرض الفيتنامية: هزائم مدوية تلو هزائم، تدفع بالجنود الأميركيين إلى حالة يأس جنوني، يدفعهم بدوره إلى عمليات قتل عشوائي في أوساط المدنيين، بما في ذلك الأطفال والمسنون والنساء.

ولتبرير الانسحاب النهائي من المستنقع الفيتنامي، تبنت الإدارة الأميركية آنذاك مبدأ «فتنمة الحرب»، بمعنى نقل العبء القتالي من القوات الأميركية إلى الجيش الحكومي الفيتنامي.

الآن تريد الولايات المتحدة تطبيق مبدأ «أفغنة الحرب» في أفغانستان، على غرار التجربة الفيتنامية، لتنتقل بذلك مسؤولية الهزائم إلى القيادة العليا للقوات الأفغانية الحكومية ممثلة في الرئيس حامد كرزاي.

ولا شك أن الرئيس الأفغاني يدرك هذا كله، بما يجعله يرتب خطته على هذا الأساس للفرار من اللحظة الأخيرة المناسبة، كما فعل نظيره الفيتنامي السابق الرئيس «نغوين فان تيو».

في هذه الأثناء يتواصل تصاعد التذمر العام داخل الولايات المتحدة، ضد الاستنزاف المالي الذي يعصف بحركة الاقتصاد الأميركي. يقول الكاتب الصحافي الأميركي الشهير نيكولاس كريستوف، في مقال له في صحيفة «هيرالد تريبيون»: إن الحرب الأميركية في أفغانستان استهلكت في العام الماضي وحده أموالاً أكثر مما أنفقته الولايات المتحدة على «الحرب الثورية» الداخلية، وحرب عام 1812، والحرب المكسيكية - الأميركية، والحرب الإسبانية - الأميركية، مجتمعات. ويفيد تقرير من الكونغرس الأميركي أنه بصورة عامة، فإن «الحرب على الإرهاب»، بما في ذلك أفغانستان، هي أكثر الحروب كلفة في التاريخ الأميركي، بـ«استثناء الحرب العالمية الثانية».

الآن انقضى نحو 11 عاماً على التورط العسكري الأميركي في أفغانستان، ورغم طول الزمن كان من الممكن أن تحظى الحرب الأفغانية بقدر من الشعبية داخل الولايات المتحدة، لو أن القوات الأميركية تحرز سلسلة من الانتصارات. لكن على العكس من ذلك تماماً، فإن الخسائر تحيق بهذه القوات يوما بعد يوم.

وبسبب الاستنزاف العسكري، يدخل الاقتصاد الوطني الأميركي طريق الإفلاس، مما جعل الولايات المتحدة للمرة الأولى تتحول من دولة دائنة إلى دولة مدينة، تضطر إلى الاقتراض من الصين.

 

Email