إلى أين تتجه حركة عدم الانحياز؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

احتفل وزراء خارجية دول عدم الانحياز في 25 مايو الماضي، في جمهورية اندونيسيا، بالذكرى الخمسين لحركة عدم الانحياز.

 

وليس غريبا أن يتم إحياء الذكرى الخمسين في اندونيسيا، وهي البلد الذي فيه مدينة باندونغ الاندونيسية الشهيرة التي انطلقت منها مبادئ الحركة، بحضور قادتها التاريخين؛ عبد الناصر، وسوكارنو، ونهرو، وتيتو.

 

إن احتفالات الحركة بهذه المناسبة التاريخية، فرضت على أعضائها مراجعة التجربة على مدى العقود الخمسة الماضية، خاصة وأن العالم اليوم يشهد تعقيدات أكبر وتفرض مسؤوليات متعاظمة نفسها على الدول الأعضاء. فإذا كانت الحركة قبل خمسين عاما تجسد التضامن بين الشعوب في ذلك الحين في سبيل الاستقلال الوطني، .

 

فإن أعضاء عدم انحياز اليوم يحتاجون إلى رؤية جديدة للدفع بقضايا العدالة والسلام والتنمية، وهم بذلك يبقون مخلصين لمبادئ تأسيسها من أجل التحرر والتقدم، وأن تكون دولهم معبرا عن الصوت الموضوعي في خضم تيارات السياسة الدولية المختلفة.

 

فلا يكفي الحركة أن تتغنى فقط بأمجادها في المساهمة في القضاء على الاستعمار والابرثايد، وإنما تجد الدول الأعضاء نفسها مدعوة للانتصار للحريات وحقوق الإنسان والتنمية، وتوفير مناخات أفضل للسلم والأمن الدولي. والعالم في القرن الراهن يزداد اقتناعا بأنه بقدر ما تخلص من الاستقطاب الثنائي إبان الحرب الباردة بين معسكرين، .

 

والذي لم تنجذب له حركة عدم الانحياز في ذلك الحين، فإنه بنفس القدر ليس من المناسب أن تكون قيادة العالم أحادية القطب وذات نهج سياسي أحادي.

 

وفي ظل الأصوات المتصاعدة في العالم لتعزيز السياسات متعددة الأطراف، فإن حركة عدم الانحياز وهي تدافع عن مصالح الدول النامية، تجسد إطارا متعدد الأطراف، إذ بلغت دولها الأعضاء 120 دولة بانضمام دولتين جديدتين إلى الحركة في اجتماع اندونيسيا الأخير، وهما فيجي الجزيرة التي تقع في المحيط الهادئ، وآذربيجان إحدى دول آسيا الوسطى والمعروفة بثرواتها وإنتاجها النفطي، .

 

مما يثبت حيوية هذه الحركة ورفدها بأعضاء جدد ينضمون إليها باستمرار، مما يعزز وحدتها ويوسع من تنوعها، ويثبت تأثير الحركة المتعاظم في القضايا الدولية بهدف تحسين الأحوال المعيشية لشعوبها، فهي بذلك كالشجرة التي تنمو وتورق.

 

كما أكدت الحركة في اجتماعها الأخير على مواصلة مساهمتها في الأمم المتحدة والمنابر الدولية الأخرى، من أجل التنمية المستدامة والدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية والمساواة وتمكين المرأة، وفي سبيل السلم والأمن الدوليين، ومناهضة الإرهاب، ونزع السلاح وخاصة أسلحة الدمار الشامل.

 

واليوم والأصوات تتعالى لإصلاح نظام الأمم المتحدة الذي أقر في ظروف سابقة بعد الحرب العالمية الثانية، فإن الحاجة ملحة إلى مراجعة سبل وطرق عمل الأمم المتحدة لتكون أكثر ديمقراطية، بما في ذلك تطوير صيغة مجلس الأمن في الظروف الدولية الجديدة.

 

إن حركة عدم الانحياز مطالبة بأن تثبت قدرتها على الاستمرار، من خلال المساهمة على الصعيد السياسي في تعزيز السلام العالمي، من خلال المساهمة في حل النزاعات الدولية بالطرق السلمية وعلى أسس عادلة.

 

وذلك ما سعت الحركة إلى تأكيده من خلال إصدار بيان خاص في اجتماعها الأخير، حول أهمية السلام الدائم والعادل في الشرق الأوسط،.

 

ونصرة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته الوطنية المستقلة، وإنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية والضفة والقطاع، والأراضي العربية الأخرى المحتلة منذ عام 1967. وجاء هذا البيان مكملا لبيان خاص بالذكرى الخمسين للحركة.

 

وموقف حركة عدم الانحياز تجاه السلام في الشرق الأوسط، موقف مبدئي يستند باستمرار على قرارات الأمم المتحدة ومرجعية مدريد (الأرض مقابل السلام) والمجموعة الرباعية ومبادرة السلام العربية.

 

إن حركة عدم الانحياز إذا أرادت أن تمثل آمال الدول النامية، فإنه يجب إدراك أن هذه الدول في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، تأثرت كثيرا بالأزمة المالية العالمية الأخيرة، مما أثبت حاجة الحركة إلى سبل جديدة ذات رؤية للدفاع عن حقوق هذه الدول ومصالحها الاقتصادية، .

 

وإيجاد أشكال جديدة للتعاون بين دول الجنوب ــ الجنوب للتغلب على آثار الأزمات الاقتصادية وأزمة الطاقة وأزمة الغذاء، التي تؤثر كثيرا على الدول النامية، وبما يمكنها من التطور والارتقاء إلى مستوى الدول المتقدمة.

 

وقد أشار كثير من الأوساط إلى أن عددا من الدول كانت قد تقدمت في اجتماع اندونيسيا الأخير، بمقترح من شأنه أن يساعد في تطوير عمل حركة عدم الانحياز وتعزيز دورها المنتظر، من خلال المأسسة وإيجاد أمانة عامة دائمة لحركة عدم الانحياز، شأنها شأن أي تجمع دولي متعدد الأطراف.

 

. وبذلك يمكن أن تمتلك الحركة آلية أفضل لتنفيذ سياساتها وترجمة خططها وتعزيز دورها في الأسرة الدولية، وما زال هذا المقترح قيد الدراسة وهو جدير بالاهتمام.

 

إن حركة عدم الانحياز، وبعد نصف قرن من عمرها وقد أصبحت قوة أساسية عالمية، تحتاج للدفاع عن المصالح المشتركة لأعضائها، من خلال مزيد من التعاون والتنسيق، .

 

وليس الفرقة والتمزيق. وبتطوير مبادئ الحركة التي تأسست على أرضيتها، ينبغي أن تواصل الدول الأعضاء الحوار في ما بينها ومع المجموعات الإقليمية والدولية الأخرى، لإيجاد شراكة من أجل السلم والازدهار الدوليين، وأن لا يقتصر ذلك على حكومات الدول الأعضاء، وأنه يشمل أيضاً الحوار والتعاون بين البرلمانيين وممثلي منظمات المجتمع المدني في العالم.

 

Email