العقد الأميركية المتشابكة في باكستان وأفغانستان

ت + ت - الحجم الطبيعي

التدخل الأميركي في كل من باكستان وأفغانستان، ربما يكون أعقد مأزق في تاريخ السياسة الخارجية للبلد. وبموت أسامة بن لادن، وردة الفعل الغاضبة من جانب باكستان، تزداد هذه العقدة تشابكاً الآن أكثر من أي وقت مضى.

فالآن، المسؤولون الأفغانيون يلعنون نظراءهم الباكستانيين، باكستان تغازل الصين، المسؤولون الأميركيون يهددون بتقليص المساعدات المقدمة إلى إسلام أباد، أفغانستان تؤسس ما تسميه مجلس السلم الأعلى لعقد محادثات مصالحة مع طالبان، بينما تقول الولايات المتحدة إن من شبه المؤكد أن محادثات السلام تلك ستفشل.

في هذه الأثناء، يحاول زعماء طالبان الأفغانيون إظهار شيء من الحلاوة في كلامهم، والتلميح إلى أنهم لا يمانعون في إرسال الفتيات إلى المدارس، على أمل إعادتهم إلى الحكومة. وفي الوقت نفسه، يفتح مقاتلوهم النار على عمال أشغال الطرقات، فيقتلون 36 عاملاً ويجرحون 20 آخرين.

وعلى الجبهة الأخرى، أطلق جنود باكستانيون النار على مروحية عسكرية أميركية تحلق فوق الحدود الباكستانية الأفغانية. لكن الحكومة الباكستانية أظهرت شيئاً من كرم الأخلاق، إذ منحت الولايات المتحدة إذناً بالمجيء لانتشال الذيل المدمر للمروحية التي تحطمت أمام منزل أسامة بن لادن.

وعندما نسترجع الحروب السابقة، نجد أنه حتى القرارات التي وقفت وراء حرب فيتنام، التي كانت من أعنف الصراعات في التاريخ الأميركي، تبدو الآن بسيطة نسبياً بالمقارنة مع الوضع الراهن. فالآن، نحن نتعامل مع دولتين يقودهما غدارون يتلذذون بالانتقاص من قدرنا.

وخلال الأيام القليلة الماضية، بدأنا نسمع جوقة الرئيس حامد كرزاي ومعه مسؤولون أفغانيون آخرون، وهم يخطبون فينا: إنكم تخوضون الحرب الخاطئة في المكان الخاطئ. بالطبع فإن لهم غاياتهم الخاصة من وراء قول هذا الكلام، لكنهم في الواقع محقون.

فمعظم المحللين يعتقدون أن ابن لادن غادر المناطق القبلية الباكستانية، وانتقل إلى بيته الواقع على أطراف العاصمة، لينجو من وابل الصواريخ الأميركية التي راحت تقتل بعض أتباعه.

هل يعقل أن ينسحب ابن لادن لوحده، ويترك وراءه كبار مساعديه وحلفائه من أمثال الملا عمر، زعيم طالبان؟ بالطبع، لا. عاجلاً أم آجلاً، سنكتشف أن ما لا يقل عن ستة منهم، يختبئون على عيون الأشهاد داخل باكستان، في منازلهم المنيفة.

ومن بين التعليقات الأفغانية المتكررة، أن جميع قادة القاعدة وطالبان المهمين موجودون في باكستان، وليس في أفغانستان. ولقد أقرت الولايات المتحدة نفسها منذ سنوات، أنه لم يتبق سوى عدد قليل جداً من عناصر القاعدة الناشطين في أفغانستان.

لكن الآن، يكيل القادة الباكستانيون الإهانات والشتائم للولايات المتحدة، ويهدد أعضاء بارزون في الكونغرس بوقف المساعدات عن باكستان. وكما تساءل السيناتور الجمهوري جيمس ريش، خلال جلسة استماع أمام لجنة العلاقات الخارجية مؤخراً «لماذا ننفق أموال أبنائنا وأحفادنا لمساعدة بلد لا يحبنا؟ من الصعب إقناع الشعب الأميركي بمنطق تلك المساعدات».

لكن الولايات المتحدة لا تستطيع وقف مساعداتها إلى باكستان، والانسحاب من البلد. أولاً، معظم الإمدادات والمؤن التي يحتاجها الجنود الأميركيون الموجودون في أفغانستان، يتم نقلها بالشاحنات من باكستان، ولقد أظهر الباكستانيون تلهفهم لمهاجمة قوافل الإمدادات تلك وحرق الشاحنات بما فيها، إذا ما تم استفزازهم.

وإذا نظرت إلى الخارطة، لن تجد أي ممر آخر ممكن سياسياً لهذه القوافل.

باكستان بلد مزعزع جداً، وقادته متمسكون بهوسهم المفرط بالهند، ويرفضون الاعتراف بالخطر الكبير الذي تشكله طالبان والجماعات المسلحة الأخرى عليهم من الداخل. ماذا سيحدث إذا سقطت الحكومة، واستولى المسلحون الإسلاميون على ترسانة باكستان التي تضم أكثر من 100 رأس نووي؟ ثم إن الحرب الأفغانية بدأت وتتواصل أصلاً، من أجل حرمان القاعدة من الحصول مرة أخرى على موطن آمن.

حسناً، إذا انسحبت الولايات المتحدة وعادت القاعدة، فسوف تقدم بذلك للقوات المسلحة الأميركية خدمة كبيرة. فنحن نحاول منذ قرابة العقد الآن، الوصول إليهم في شمال وزيرستان دون جدوى. وإذا عادوا إلى أفغانستان، سيصبحون أهدافاً سهلة. وماذا يملك كرزاي أن يفعل إزاء ذلك؟

هذا الصيف، سيعلن الرئيس أوباما عن سحب أول دفعة من الجنود الأميركيين من أفغانستان. والرقم الذي يتم تداوله الآن هو حوالي 5000 جندي. على أوباما زيادة هذا الرقم وإتمام الانسحاب الأول، وفق جدول زمني أسرع. فرغم كل التوصيفات الأخرى، تبقى حقيقة الأمر أننا عالقون وسط حرب أهلية، بين الحكومة السابقة والحكومة الحالية في أفغانستان.

أما بالنسبة لباكستان، فعلينا أن نتحمل كل الأذى ونبقى هناك، لأن البدائل المحتملة بكل بساطة، قبيحة على نحو يفوق التصور. وكما قال وزير الدفاع روبرت غيتس وهو في ذروة حنقه قبل أيام: (فنحن بحاجة إلى الباكستانيين، وهم بحاجة إليناِ) شئنا أم أبينا.

Email