رسالة نتنياهو الانهزامية

ت + ت - الحجم الطبيعي

خرج كل من الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من خلافاتهما في واشنطن بجراح لن يتم الشفاء منها قريباً.

بالنسبة لأوباما، فإن النتيجة المترتبة على ذلك في المقام الأول تأتي من اليهود الأميركيين. فهم منقسمون، وأعداد كبيرة منهم يحتقرون نتنياهو ويتفقون مع الرئيس أوباما.

وقد أصدرت جماعة «أميركيون من أجل السلام الآن»، وهي الفرع الأميركي لمجموعة يسارية في إسرائيل، بياناً تعرب فيه عن «خيبة أمل عميقة» إزاء الخطاب المتشدد الذي وجهه نتنياهو أمام جلسة مشتركة لمجلسي الكونغرس. وقالت إنه كان من المتوقع أن يطرح نتانياهو «صيغة لتحقيق إنجاز» في المفاوضات مع الفلسطينيين، لكنه بدلاً من ذلك وضع شروطاً مسبقة أثارت غضبهم.

لا، فقد أثار أوباما المسيحيين الإنجيليين. فالملايين منهم مؤيدون متحمسون لإسرائيل، وهم يقومون بالحشد الآن، من خلال حملات دعائية تلفزيونية وفي الصحف، ويعقدون مؤتمرات صحافية.

قال لي «ديفيد بروغ»، المدير التنفيذي لجمعية «المسيحيون المتحدون من أجل إسرائيل»، وهي واحدة من عدة جماعات مماثلة، إنه يعتقد بأن ملايين من هؤلاء المسيحيين سوف يواصلون غضبهم حتى إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية العام المقبل. وأضاف: «تعد إسرائيل قضية ذات أهمية متزايدة بالنسبة لهم». وتضم جماعته 600 ألف عضو، من بين 50 مليون أميركي يعتقد بأنهم متعاطفون مع قضيتها، وقد أرسل أكثر من 60 ألف عضو منهم رسائل دعم بالبريد الإلكتروني إلى مكتب نتنياهو.

 ومن جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي، فقد عاد إلى إسرائيل وسط هتافات من مؤيديه، وغضب من إسرائيليين آخرين، واحتمالات قوية بحدوث أزمة دبلوماسية في المستقبل. ووصف الفلسطينيون تصريحاته في واشنطن بأنها «إعلان حرب». وبالنسبة لنتنياهو، فإن هذا له نتيجة مباشرة محدودة، باستثناء أنها تحض على الإسراع بـ«القطار المتداعي»، كما يصف ذلك المسؤولون الإسرائيليون، هي السعي الفلسطيني للاعتراف الدبلوماسي في الأمم المتحدة في سبتمبر المقبل.

لا أحد يشك في أن أغلبية الدول سوف تصوت لصالح الاعتراف بقيام دولة فلسطينية، لكن هذا التصويت سوف يشكل ضغطاً أكثر من ذلك بكثير، إذا انضمت الدول الأوروبية المهمة إليه. وكان الرئيس أوباما، خلال اجتماع قمة الثماني في فرنسا مؤخراً، يحاول إقناع الزعماء الأوروبيين بالتصويت ضد قيام دولة فلسطينية. لكن معظم الدول الأوروبية نفد صبرها كثيراً من إسرائيل، مقارنة بوضع واشنطن. وبعد أن تعنت معه نتنياهو على نحو صارخ، فقد وجد أوباما أنه من الصعب للغاية التوصل إلى أسلوب مقنع.

«جان أسيلبورن» هو وزير خارجية دولة صغيرة، وهي لوكسمبورغ، لكن دوره مؤثر داخل الاتحاد الأوروبي. وقد وصف تصريحات نتنياهو في واشنطن بأنها «تكبر وغطرسة»، مضيفاً: «بالنسبة لعملية السلام، فهذا الأمر مدمّر». وقالت فرنسا إنها سوف تصوت لصالح قيام دولة فلسطينية، وأشارت ألمانيا إلى أنها ربما لا تفعل ذلك، لكن ذلك كان قبل اجتماع قمة الثماني.

ويقول مسؤولون أوروبيون إن سلوك نتنياهو الأخير قد غيّر بعض الآراء. وفي الواقع، فإن معظم الذين كانوا يتابعون الأمر في جميع أنحاء العالم، كانوا يتوقعون أن نتنياهو سيأتي إلى واشنطن بخطة جديدة لتحريك مفاوضات السلام إلى الأمام، أملاً في استباق تصويت الأمم المتحدة.

وقد فعل العكس من ذلك تماماً، معلناً بدلاً منه جميع المطالب التي سوف يصرّ عليها والتنازلات التي لن يفي بها. واتسمت تصريحاته بالقسوة الشديدة، حتى إنه حرّض عدداً من الإسرائيليين البارزين، بمن فيهم العديد من كبار المسؤولين السابقين في الحكومة، على كتابة رسالة مفتوحة تدعو الدول الأوروبية إلى التصويت لصالح الاعتراف بـ«فلسطين» كدولة. ولكن مما أراه، فإن القلق الأكبر هو ما أفصح عنه أوباما، الذي يتمثل في التعنت الإسرائيلي وتأثيره في العالم العربي.

هناك حقيقة جديرة بالملاحظة لكنها يتم تجاهلها إلى حد كبير، وهي أن إسرائيل لم تكن حتى عاملاً ضئيلاً في الانتفاضات التي اجتاحت العالم العربي. لا، فقد رفض جيل الشباب في تلك الدول منذ فترة طويلة، تأكيد قادتهم منذ عشرات السنين على أنهم ينبغي أن يكرسوا حياتهم لقتال الصهاينة، حتى يستطيع الفلسطينيون أن يكون لهم وطن في النهاية. لكن نتنياهو يرسل لهم رسالة خطيرة وذات نتائج عكسية.

على الأرجح، ليس من قبيل المصادفة أن أعلنت الحكومة المؤقتة في مصر بعد فترة وجيزة، أنها سوف تفتح حدودها مع غزة بشكل دائم، وهو ما عارضته إسرائيل بشدة. تسيطر حماس على غزة، وتخشى إسرائيل من أنه مع فتح الحدود، فسوف تستورد المزيد من الأسلحة.

لكن مأساة هذه اللحظة هي أنه لا أحد تقريباً في الغرب يتحدث عن حماس. وبالنسبة للملايين من الناس حول العالم، فإن الشرير في الوقت الحالي هو نتنياهو.

Email