هل تستطيع أميركا حقاً فعل أي شيء؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

«نحن نقوم بأشياء كبيرة»، هذا ما قاله الرئيس أوباما خلال خطابه لحالة الاتحاد في يناير الماضي. حقاً إننا نفعل ذلك، لكن في بعض الأحيان فقط. بالتأكيد أن العثور على أسامة بن لادن وإعدامه يعتبر أمراً كبيراً. ولقد قال الرئيس بعد الإعلان عن مقتل الإرهابي، إن هذا «يذكرنا مرة أخرى بأن أميركا تستطيع فعل أي شيء تضعه في رأسها».

لكن إذا كان هذا صحيحاً، لماذا يبدو زعماؤنا مذعنين جداً لواقع الركود الاقتصادي؟ لو ركزوا حقاً على الدمار الذي يلحقه هذا الوضع بحياة عشرات الملايين من الأميركيين، لما أغمضت لهم عين، لكنهم لم يفعلوا ذلك. فهم يعبرون عن القلق، لكنهم يركنون إلى حقيقة أن الاقتصاد «أمامه طريق طويل لكي يتعافى»، كما قال أوستان جولسبي، المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض في مقابلة مع هافبوست. وفي هذه الأثناء يُطلب منا القبول بسنوات من انخفاض معدلات إعادة التشغيل، وتدني معدلات النمو، وخفض الإنفاق بشكل قاس على شبكات الأمان الاجتماعي في أميركا، باعتبار هذه الأمور كلها «الوضع الطبيعي الجديد». أو، كما يقول بيل كلينتون في سياق مختلف، «حكم التوقعات المتدنية».

وما يدلل على هذه التوقعات المتدنية لزعمائنا، أنهم يتوقعون منا اعتبار الأرقام الاقتصادية الأخيرة أنباء سارة. ففي مارس، أضاف الاقتصاد إلى سوق العمل 216 ألف وظيفة، وانخفض معدل البطالة من 8.9 إلى 8.8%. وهذه ليست أرقاماً سيئة، لكنها ليست جيدة أيضاً. وإذا أمعنت جيداً في هذه الأرقام، ستجد أنه لا يزال من المبكر جداً الحديث عن أنباء سارة. ففي حين أن إضافة الوظائف بالتأكيد أفضل من خسارتها، إلا أن إضافة بمعدل 200 ألف وظيفة شهريا، يعني أن الأمر سيستغرق حتى 2019 لنعود إلى مستويات التشغيل قبل بداية الركود.

وأسوأ من ذلك أن جزءاً كبيراً من الانخفاض الأخير في معدل البطالة، نتج في الواقع عن يأس الناس وانسحابهم من القوة العاملة. وكما أشارت صحيفة نيويورك تايمز، فإن المشاركة في القوة العاملة انخفضت إلى 64.2%، وهو أدنى مستوى منذ 25 عاماً. وإذا أضفنا عدد أولئك الذين توقفوا عن البحث عن عمل إلى معدل البطالة الرسمي، فسيصبح 9.8%. وإذا أضفنا إليه أولئك الذين يعملون بدوام جزئي ويفضلون العمل بدوام كامل، سيرتفع الرقم إلى 15.7%.

ولم تكن أرقام شهر إبريل أفضل حالاً، فمع أن الاقتصاد أضاف 244 ألف وظيفة، فقد ارتفع معدل البطالة من 8.8 إلى 9%. والأسوأ من هذا أن معدل البطالة بين الأميركيين الأفارقة قفز إلى 16.1%. وبالسبة لأولئك الذين تجاوزت أعمارهم 55 سنة، أصبح متوسط فترة البحث عن عمل الآن يتجاوز السنة.

أضف إلى هذا معدل النمو الهزيل لإجمالي الناتج المحلي، الذي بلغ 1.8% فقط للفترة من يناير حتى آخر مارس، منخفضاً من 3.1% للربع الأخير من 2010. وكذلك حقيقة أن نسبة الشباب اليافعين الذين يعيشون مع آبائهم قد قفزت، بحسب البيانات الإحصائية التي نشرت مؤخرا، إلى 34%، بسبب فرصهم المحدودة للحصول على عمل. ثم هناك أيضاً الحقيقة المفزعة، التي مفادها أن أكثر من 28% من المنازل الأميركية، تخلف أصحابها عن سداد التزاماتهم المالية للرهن العقاري، وأن نسبة المنازل التي يتوقع أن تحجز عليها البنوك المقرضة، سترتفع إلى 20% السنة المقبلة. ولقد قال الاقتصادي ستان هامفريس، في حديث مع بلومبيرغ نيوز، «سئمنا من سرد هذه القصة الكئيبة. لكن للأسف هذه هي القصة التي يجب أن تروى». قصة تروى، لكن لا يبدو أنها تلقى أية آذان صاغية، على الأقل في واشنطن.

لا عجب إذن، بحسب استطلاع حديث للرأي، أن نصف البلد يعتقد أننا نعيش فترة ركود أو كساد اقتصادي. أو، كما أظهر استطلاع آخر، أن 80% من الناس يعتبرون الوضع الاقتصادي متردياً أو متردياً جداً.

ألا تكفي هذه الأرقام لدق ناقوس الخطر؟

ومع ذلك فإن زعماءنا، الذين يفترض أنهم عاكفون على إنجاز أمور كبيرة، اختاروا على ما يبدو أن يتعايشوا مع هذا «الواقع الجديد». فبنك الاحتياطي الفيدرالي مثلاً، يمكنه فعل أشياء كثيرة لتوليد الوظائف، لكنه اختار بدلاً من ذلك حراسة الاقتصاد من بعبع التضخم. وزعماؤنا المنتخبون ليسوا أفضل أداءً، إذ ينشغلون عن أزمة البطالة بالانخراط في الجدال الدائر حول أفضل الطرق لتوزيع التخفيضات القاسية، في ميزانيات شبكة الأمان الاجتماعي والبرامج التي تستفيد منها الطبقة الوسطى. في هذه الأثناء، قفزت أرباح أكبر 500 شركة في أميركا بنسبة 81% عام 2010، ليبلغ مجموعها 318 مليار دولار. من الواضح إذن، أن الإنجازات الكبيرة ليست بعيدة المنال بالنسبة للبعض.

وهذا كله ليس لأننا لا نستطيع فعل شيء بشأن الاقتصاد، بل لأن زعماءنا اختاروا ألا يفعلوا شيئاً. أو، كما يقول مارك ثوما: «لا يمكننا تحفيز نمو سوق العمل إذا لم نحاول، وحتى الآن لا يبدو أبداً أننا نحاول بجدية».

الرئيس أوباما نفسه ربط الوضع الاقتصادي بخطابه المتفائل عن مقتل ابن لادن، فمباشرة بعد الإعلان أن «أميركا تستطيع فعل أي شي تضعه في رأسها»، قال أوباما «هذه هي قصة تاريخنا، سواء في السعي وراء ازدهار شعبنا أو في النضال لضمان المساواة لجميع مواطنينا».

لكن في الوقت الراهن، لا يبدو أن هذه هي فعلاً قصة بلدنا. فنحن نقترب على نحو خطير، من القبول باقتصاد متشعب باعتباره الوضع الراهن الجديد.

صحيح أن هناك واقعا سياسيا يفرض نفسه، وصحيح أن الأحزاب منقسمة بشكل كبير، لكن إذا كان صحيحاً أن «أميركا تستطيع فعل أي شيء تضعه في رأسها»، فلماذا لا نضع في رأسنا فكرة إيقاظ الحلم الأميركي في نفوس الجميع، وليس فقط القلة التي لا تكترث بالركود، لأنها لا تحس به أصلاً؟!

Email