أميركا وتجدد الفصل والتمييز العنصريين

ت + ت - الحجم الطبيعي

صادف السابع عشر من مايو الذكرى السنوية للقرار التاريخي الصادر من المحكمة العليا في عام 1954 في قضية براون ضد مجلس التعليم الذي حظر المدارس التي تعتمد الفصل العنصري لأنها «غير متكافئة»، وبوصفها تشكل انتهاكا للتعديل رقم 14 الدستور الأميركي.

 

. الآن وبعد مرور أكثر من نصف قرن، فإن المدارس الأميركية تفرض العزل العنصري مجدداً فيها. وينص قرار الاتحاد الوطني للدفاع عن غير البيض على أن «المدارس على امتداد أميركا تعود، في جوهرها، إلى أنماط صارمة من التمييز». الأرقام في هذا الصدد واضحة.

 

. يشير تقرير صدر في عام 2009 من قبل جامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس إلى أن الأميركيين من أصل إفريقي ينتظمون في مدارس أكثر تمييزا عنصرياً اليوم، مقارنة بما كان عليه الوضع في اليوم الذي اغتيل فيه الدكتور «مارتن لوثر كينغ». يصل متوسط نسبة حضور الطفل الأبيض في أميركا إلى المدرسة 77% من البيض، مع وجود نسبة 32% من الطلاب الذين يعيشون في فقر.

 

. وتبلغ نسبة الأطفال السود الذين يذهبون إلى المدرسة 29% فقط مقارنة بالبيض، منهم 59% فقراء. بالمثل يواجه الطفل اللاتيني المتوسط التمييز، مع وجود المدارس التي تضم 27% من البيض و57% من الفقراء. وعموماً، يجلس ثلث جميع الأطفال السود واللاتينيين في قاعات دراسية كل يوم يشكل السود واللاتينيون بين 90% إلى 100% منها .

 

. ومن المفارقات، أن أكثر أشكال التمييز حدة توجد في المدارس العامة، وليس في الجنوب، ولكن في المدن الكبرى من الغرب الأوسط والولايات الغربية، بما في ذلك كاليفورنيا. وضع قرار المحكمة العليا بأن المدارس العامة التي بها تمييز تعتبر غير متكافئة جوهرياً هذه المحكمة في غمار الجدل العنيف في أميركا بشأن العنصرية

 

. بعد عام من قضية براون، قضت المحكمة العليا بأن إنهاء الفصل يمكن أن يحدث «بأقصى سرعة متعمدة»، الأمر الذي ساعد على تحفيز المقاومة واسعة النطاق من أجل التغيير في جميع أنحاء الجنوب الأميركي. يقف الساسة الطموحون مثل «جورج والاس» و«أورفيل فوباس» على باب مبنى المدرسة، في محاولة لمنع الطلاب السود من الدخول. لقد استغرق الأمر ظهور حركة الحقوق المدنية والتقاضي والتدخل الفيدرالي المستمر لإحراز تقدم.

 

. لقد بلغ إدماج المدارس ذروته التاريخية في عام 1988، في ظل وجود ما يقرب من 45% من الطلاب السود في مدارس الأغلبية البيضاء في أميركا. ولكن في الوقت الذي فرّ البيض إلى الضواحي، تزايدت الانتقادات ضد عمليات النقل بالحافلات. فقد أتقن الرئيس الأميركي الأسبق «نيكسون» استراتيجية للتلاعب بهذه الانقسامات العنصرية.

 

فقد أسفرت أنماط السكن المنفصل عن وجود مدارس منقسمة على أسس عرقية وطبقية. في إطار سلسلة من القرارات، تراجعت المحكمة العليا عن دعم خطط واسعة لإلغاء الفصل العنصري، حيث بلغت ذروتها مع قرار أغلبية المحافظين من محكمة الفصل بالاستعانة بقضية براون من أجل إلغاء خطط الفصل العنصري الطوعي . لكن المدارس ليست غير متكافئة جوهرياً، رغم الموارد والمرافق المتساوية.

 

. في وقت قضية براون، كانت تعاني، ولا تزال تعاني حتى يومنا هذا، من مما وصفه «جوناثان كوزول» بـ«عدم المساواة الوحشي». يأتي معظم التمويل للمدارس من الضرائب المحلية، .

 

وتدعم المناطق الأكثر ثراء المدارس الأكثر تميزاً. فهي لديها أفضل المعلمين و أفضل المختبرات والمعدات والكتب المدرسية الحديثة. تميل هذه المناطق إلى أن تضم البيض بشكل لا يتكافأ مع التركيب السكاني. أما المناطق الأكثر فقراً، لا سيما المناطق الحضرية، فليس أمامها سوى أسوأ المدارس.

 

والأطفال الأكثر احتياجاً، في حالات كثيرة جداً، يحصلون على المعلمين الأقل مهارة وأسوأ المرافق. الجزء الأكبر من تمويل التعليم من الحكومة الفيدرالية، بعد نزاع قضائي مكلف، وجزء من تمويل كل ولاية يتم توجيهه إلى المدارس التي تضم الأطفال الأكثر فقراً، سعيا إلى تقليص الميزة التي يتمتع بها الأثرياء. فلو أن أنماط المعيشة تؤدي إلى مدارس منفصلة عرقياً، وتتراجع المحاكم عن محاولة التصدي لذلك، فعلى الأقل يمكن تقليص عدم المساواة الفجة في التمويل.

 

لكن الآن، وفي أعقاب الكساد العظيم، فإن ميزانيات التعليم الفيدرالية والخاصة بكل ولاية تخضع للتخفيض. سوف يكون للتخفيضات الحادة في الإنفاق على التعليم في واشنطن وفي باقي الولايات الأميركية أكبر تأثير مدمر في الطلاب الضعفاء، وفي المدارس الأكثر فقراً.

 

في عام 1954، دعت المحكمة العليا بالإجماع أميركا إلى الوفاء بوعد تكافؤ الفرص من خلال إنهاء المدارس المنفصلة. لقد تم الآن استبدال الفصل بموجب القانون، أي الفصل العنصري، ليحل محله الفصل على أرض الواقع. في هذه الأمة المتنوعة على نحو متزايد، أصبحت مدارسنا أقل تنوعاً وأكثر انفصالاً.

 

وهي تتجه الآن لكي تصبح غير متكافئة بشكل أكبر. في عام 1954، ساعدت المحكمة العليا على تجدد حركة الحقوق المدنية. الآن وبعد مرور نصف قرن، فإننا بحاجة إلى حركة حقوق مدنية جديدة للمطالبة بمزيد من الحماية المتساوية «بموجب القانون».

Email