مصر ومؤامرة حرب المياه الإفريقية

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما جرى عقد قران كوامي نكروما، رئيس جمهورية غانا، على فتاة مصرية (مسيحية) بين يدي جمال عبد الناصر، كان الرمز السياسي واضحاً لدى من عاشوا تلك الأيام المثيرة من ستينيات القرن الماضي.

 

كان ذلك الزواج تتويجاً رومانسياً لالتقاء حركة القومية العربية مع حركة التحرر الإفريقي. تلك الأيام التي كانت فيها القاهرة قاعدة التحرك الوطني للزعامات النضالية الإفريقية، التي كانت ترى في مصر عبد الناصر الإلهام النضالي الأعظم.

 

الآن وعلى خلفية ثورة «25 يناير» المصرية، هل تستطيع مصر استعادة مكانتها المتميزة في إفريقيا جنوب الصحراء؟

 

إنه تساؤل ليس بغير مناسبة معينة. والمناسبة هي مسألة حياة أو موت، لأنها تتعلق بمصير إعادة توزيع مياه النيل. وهي مسألة ليست بريئة كما يبدو ظاهرياً، ذلك أن هناك مجموعة من الدول الإفريقية المشاطئة للنيل أو روافده، منهمكة في إعداد مشروع من شأنه إذا طبق تقليص حصة مصر من المياه. والأمر لا يخلو من دوافع ابتزاز سياسي، ليس من المستبعد أن تكون وراءه إسرائيل والولايات المتحدة.

 

ولقد ورد في الأخبار مؤخراً، أن وفداً يتكون من ممثلين للأحزاب المصرية وأكاديميين متخصصين في الشأن الإفريقي، قام بزيارة إثيوبيا للتباحث مع المسؤولين الإثيوبيين حول مسألة اقتسام مياه النيل، بأسلوب الدبلوماسية الشعبية كتمهيد لشن حملة مصرية لاحقاً على الصعيد الدبلوماسي المصري.

 

لماذا إثيوبيا تحديداً؟ لأنها رأس الحربة لمجموعة دول حوض النيل الإفريقية، في المجالين المائي والسياسي؛ مائياً تعتزم أديس أبابا بناء عدد من السدود على النيل الأزرق، الذي ينبع من بحيرة على الأراضي الإثيوبية.

 

وسياسياً تعتبر إثيوبيا، تاريخاً وحاضراً، أوثق الدول الإفريقية علاقة مع إسرائيل من ناحية، وأكبر وأهم قاعدة استخباراتية للولايات المتحدة في القارة السوداء. مصر إذاً، تواجه قضية مصيرية، ولُب التحدي هو أن مصر فقدت مكانتها الإفريقية التي كانت تتمتع بها في العهد الناصري. ففي عهد السادات ومن بعده عهد حسني مبارك، خسرت مصر قدرتها على التحرك الخارجي المستقل في الساحة الدولية، سواء تجاه إفريقيا أو غيرها، .

 

بعد أن صارت بموجب التصالح مع إسرائيل، ابتداءً من نهاية عقد السبعينيات، أسيرة الأجندة الإسرائيلية ـ الأمريكية، التي حجّمت الدور المصري على الصعيدين العربي والإفريقي معاً. هذا هو الوضع المزري الذي ورثته ثورة «25 يناير»، بحيث إن مصر الثورة أصبحت الآن مضطرة في تعاملها مع إفريقيا، إلى أن تبدأ من نقطة الصفر.

 

لقد كانت لمصر الناصرية هيبة بين الدول الإفريقية، لأنها كانت في مركز القيادة لشعوب القارة. كان هناك تحالف ضد القوى الاستعمارية الغربية، يتكون من أربع زعامات: كوامي نكروما في غانا، وأحمد سيكوتوري في غينيا، وموديبو كيتا في مالي، وجمال عبد الناصر في مصر.

 

. وتبلور إجماع إفريقي رسمي وشعبي، جعل القيادة العليا للتحالف النضالي لدى عبد الناصر. ولم ينشأ هذا التحالف من فراغ، فقد كانت مصر تتولى دوراً إيجابياً في مساندة ثورات التحرر والاستقلال آنذاك، في روديسيا والكونغو والصومال. وفي الوقت نفسه قادت مصر الحملة الوطنية في جنوب إفريقيا بزعامة نيلسون مانديلا، ضد نظام الأقلية البيضاء العنصرية.

 

. وكانت المساندة المصرية لهذه الثورات تتمثل في إمدادها بالسلاح، إضافة إلى الدعم الدبلوماسي والدعم الإعلامي. وفي عام 1963 كانت مصر في مقدمة دول القارة التي أنشأت منظمة الوحدة الإفريقية.

 

وهكذا صار لمصر رصيد إفريقي ضخم، ظهرت آثاره الإيجابية بوضوح كامل في عام 1973، عندما تدافعت دول القارة نحو قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، في أعقاب حرب أكتوبر من ذلك العام

 

. ومما يؤسف له أن مبارك ومن قبله السادات، أضاعا هذا الرصيد بعد أن فقدت مصر قدرتها على استقلالية التحرك الدولي.ويبقى السؤال المطروح: هل تستطيع مصر الثورة الآن، أن تستعيد هذا الرصيد في مواجهة حرب المياه التي تعد لها مجموعة من الدول الإفريقية المدعومة إسرائيلياً وأميركياً؟

 

أجل.. مصر الآن معزولة إفريقيا بسبب السياسة السالبة التي سادت في عهد مبارك، لكن ذلك لا ينبغي أن يركن القاهرة إلى اليأس. هناك متغيرات تتفاعل في المحيط الإفريقي، مما يتيح للسياسة المصرية الجديدة استغلالها، وفي مقدمة هذه المتغيرات التغلغل الصيني النشط في دول شرق القارة وغربها.

 

وهذا التغلغل تصاعد إلى مستوى شراكة استراتيجية بين الصين وعدد من الدول الإفريقية، في مقدمتها السودان. في الوقت نفسه تتحرك تركيا اقتصادياً داخل القارة، فهل نشهد تحركاً مصرياً قوياً من أجل إقامة تحالف استراتيجي صوب إفريقيا، يجمع مصر مع السودان والصين وتركيا؟

 

 

Email