الاقتصاد الصيني والتململ الاجتماعي

ت + ت - الحجم الطبيعي

قد تكون الصين، باعتبارها دولة عظمى مزدهرة تحتل ثاني أكبر اقتصاد في العالم، أكثر دولة مصابة بعقدة الخوف على وجه الأرض. ويقوم القادة الصينيون، المذعورون تماماً من شعبهم، باتخاذ أي خطوة ممكنة لتجنب اندلاع انتفاضة كتلك التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، رغم أن علامات التململ حتى الآن تقتصر على بعض الأفكار التأملية في بعض مواقع المدونين الغامضة.

وتظهر دعوات للتظاهر السلمي مجهولة المصدر على مواقع الانترنت الخفية، أن الصين قد قامت بحظر موقعي فيسبوك وتويتر وغيرهما من المواقع الأخرى العديدة، على مستوى البلاد كلها، باعتبارها مصدر تهديد لها. أما دعاة الديمقراطية فقد اختفت أصواتهم ببساطة، في الوقت الذي تقوم السلطات بتعطيل البريد الالكتروني وقطع اتصالات الهواتف المحمولة، بمجرد أن يقوم مستخدموها بنطق كلمة «احتجاج».

وقد دعا الرئيس الصيني، هو جينتاو، إلى زيادة تدعيم بوابة حجب المواقع على الانترنت، المعروفة باسم «سور الصين الناري العظيم»، والتي تشكل في الصين آلة رقابة ضخمة ومعقدة. وعلى ما يبدو، فإن قلة من الصينيين على دراية بحقيقة ما يجري من انتفاضات في المنطقة العربية. وتقول صحيفة الحزب الشيوعي الصيني «ديلي بيجينج»، لقرائها بأن «الأكثرية العظمى من الناس غير راضين» عن الاحتجاجات، وبأن «ما تقوم به الأقلية في تلك البلدان هو عبارة عن أوهام» ( لتقل هذا الأمر لشعوب تونس واليمن ومصر وليبيا).

ويبدو احتمال اندلاع انتفاضة شعبية هائلة كالتي شهدناها عبر العالم العربي، أمراً غير مرجح، لكن هذا لا يعني أن على الحكومة ألا يساورها قلق مما يجري، وفي الواقع لدى القيادة مخاوف أكبر، جوهرها أن مشكلات الصين الاقتصادية يمكن أن تتسبب في سقوطها.

وبالتأكيد، ليس لدى الشعب الصيني أي ود تجاه الحكم الشيوعي، وليس ثمة أحد في أي مكان من العالم يعجب بقمع السلطة، لكن القادة الشيوعيين قد أجروا مقايضة ضمنية مع شعوبهم. وكما يقول القائد الصيني، دينغ شياو بينغ، الذي دفع نحو تبني البلاد لاقتصاد السوق الحر منذ 25 سنة مضت: «إن هدف الحكومة يجب أن يكون جعل الجميع أغنياء». وكأنه يقول إنه بذلك يزداد إعجابهم بنا.

ويتحدث القادة الصينيون هذه الأيام عن الحفاظ على «بيئة اجتماعية متجانسة»، وهذا قاله أيضا الرئيس الصيني خلال مؤتمره الصحافي الذي يجريه مرة كل سنة. ويعتبرها من مبادئ ضمان الازدهار العالمي.

ويبدو أن أمام الحكومة درباً طويلاً، فأكثر من نصف عدد سكان الصين البالغ مليارا و35 مليون نسمة، يعيشون في ظل ظروف حياة ريفية مفقرة. ورغم وجود أعداد من الأغنياء الجدد في بكين والمناطق الشمالية الأخرى، فإن معدل الدخل يبقى حوالي 4,000 دولار في السنة، وهو يقل عن معدل الدخل في ألبانيا. ويعاني 15% من أطفال الصين إعاقة في النمو، كما أن أكثر من نصف السكان ليس لديهم مكان لقضاء حاجاتهم.

أما الطبقة الوسطى المتنامية والتي يقدر تعدادها حاليا بمئات الملايين، فتبدو مرتاحة إلى الوضع القائم. فهم المستفيدون من المقايضة العظيمة التي أجراها دينغ شياو بينغ، وليسوا على استعداد لتعريض أوضاعهم للخطر. لكن الاقتصاد الذي يبني عليه هؤلاء حياتهم، هو في الواقع عبارة عن بناء من ورق.

لننظر إلى الأمر كالتالي: لدى الصين حاليا أسواق عقارات تعتبر الأغلى في العالم. ويظهر «غلوبال بروبرتي غايد»، الدليل الذي يزود العالم بمعلومات وأرقام حول أسعار العقارات، أن سعر المتر المربع من الأرض في المدن، يزيد بمعدل 30% أكثر من دخل الفرد السنوي في الصين. وقد وصف هان زينغ، محافظ شنغهاي، هذه الأسعار «بالمشوهة». وفي هذه الأثناء، تقوم المصارف بإعطاء الكثير من القروض المسهلة في القطاع العقاري، رغم تعهد رئيس الوزراء، ون جياوباو، بلجم إقراض المصارف.

إلى أي حد يبدو هذا الوضع مشابهاً لما حصل في وقت قريب؟ ألم تواجه الولايات المتحدة مشكلة شبيهة تماماً أدت إلى الانهيار العظيم في 2008 -2009؟ لكن للقصة المزيد.

فالصين تضمن إبقاء سعر صرف عملتها، اليوان، ضمن مستويات متدنية بشكل غير طبيعي، مما يعني أن بإمكان دول أخرى شراء البضائع الصينية بأسعار مخفضة. ويسبب ذلك إغراق الاقتصاد الصيني بأموال أجنبية، وهذا يؤدي إلى حالة من التضخم المتسارع، بمعدل 4.9% في شهر فبراير (مقارنة مع 0.5% في الولايات المتحدة الأميركية).

ويشعر القادة الصينيون بالذعر جراء ذلك، فالتضخم يضرب بقوة الطبقة الوسطى التي تشكل الدعامة الوحيدة للحكومة. وفي السنة الماضية، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 11%، كما لا تقل نسبة الزيادة في تكلفة البضائع وغيرها من السلع عن ذلك. وبالنسبة للميسورين، ينبئ هذا بأن مستويات المعيشة قد بدأت في الانخفاض.

«التضخم يقلق حياة الناس» هكذا أقر رئيس الوزراء الصيني، ون جياوباو، في شهر مارس الماضي، «ويؤثر على الاستقرار الاجتماعي»، بمعنى أنه «إذا لم نستطع أن نبقي هؤلاء القوم في حالة ازدهار وسعادة، فسوف يحاسبوننا»، «علينا بالتالي أن نجعل هذا الأمر أولوية بالنسبة لنا»، وذلك «بإبقاء الأسعار الإجمالية مستقرة». لكن كما يعلم جيدا «ون» وغيره من القادة الكبار، هناك حدود لما تستطيع أي حكومة أن تقوم به في سبيل إدارة اقتصادها، خصوصاً عندما يكون مربوطاً بإحكام باقتصاد العالم الأوسع. فإذا ما انفجرت فقاعة أسعار العقارات، كما يخشى العديد من الاقتصاديين، فإن الصين قد تواجه انتفاضة خاصة بمواطنيها.

 

Email