مأساة على الطريقة الأميركية في «بينتون هاربور»

ت + ت - الحجم الطبيعي

«بينتون هاربور» بولاية ميتشغان هي بلدة تضم ما يقرب من 11 ألف نسمة، نحو 90% منهم من الأميركيين الأفارقة. وتعد هذه البلدة نموذجاً للبؤس في منطقة الغرب الأوسط الصناعية في أميركا. فقد كانت مقراً ومركز تصنيع لشركة «ويرلبول»، .

لكن آخر مصنع للشركة تم إغلاقه منذ سنوات. ويصل متوسط الدخل الفردي حالياً في «بينتون هاربور» إلى نحو 10 آلاف دولار في السنة. وتجتاحها العلل التي تصاحب الفقر في أميركا اليوم، ومنها ارتفاع نسبة البطالة والحكومة المتعسرة والمدارس الفاشلة والجريمة والمخدرات واليأس. لقد حُرِمَ سكان «بينتون هاربور» من كل شيء.

. وتم شحن الوظائف الصناعية التي تستخدم لتوفير السلم للطبقة المتوسطة إلى الخارج. وتوفر وظائف مراكز الاتصال التي حلت محل الوظائف الصناعية فرصاً قليلة بأجور زهيدة. ويعني فشل القاعدة الضريبية أن الخدمات العامة تتضور جوعاً. فالمدارس تكافح لتعليم الأطفال الآتين من الشوارع الوضيعة،.

حيث غالباً ما يعاني هؤلاء الأطفال الجوع، ولا يجدون رعاية صحية كافية أو منازل مستقرة. يفرّ المعلمون الأكفاء من البلدة وتعاني المدارس الفشل أو يتم الاستيلاء عليها، وهي المراوغة التي يتم من خلالها استبدال الحركة بالعمل الحقيقي في مواجهة الفقر. ولكن ربما تصبح «بينتون هاربور» بالنسبة للعدالة الاقتصادية ما كانت عليه بلدة «سلما» الصغيرة بالنسبة للحقوق المدنية. ذلك أنه في «بينتون هاربور»، تدمر القوى الموجودة الإهانات الأخيرة إلى سكان البلدة المحاصرين، .

حيث تجردهم ليس فقط من مدارسهم، ولكن من ديمقراطيتهم، وتذهب ليس فقط بوظائفهم، ولكن بمتنزهاتهم العامة. أما الجوانب المالية في «بينتون هاربور» فهي في حالة فوضى، وكيف لا يمكن أن تكون كذلك في بلدة يتم تجريدها من الوظائف والأمل؟ إذن، فإن الولاية جردت سكانها من ديمقراطيتهم. فيما يسمى بدقة «الأحكام العرفية المالية»، فقد عينت الولاية قيصراً لإدارة البلدة.

وقد أصدر هذا الشخص المعين، وهو جوزيف هاريس، أمراً لتجريد مجلس المدينة المنتخب بشكل أساسي من كل السلطات. فلا يمكن إنفاق الأموال، ولا زيادة أو خفض الضرائب، ولا إصدار السندات ولا تغيير الأنظمة بدون موافقته المسبقة.

يعيش سكان «بينتون هاربور» الآن في ديكتاتورية يفرضها الحاكم الجمهوري المعروف باعتقاده أنه ينبغي معاقبة الفقراء ومكافأة الأغنياء. يمتلك هذا الدكتاتور المعين سلطات مذهلة، حيث يمكنه بيع أصول عامة، وإقالة مجالس المعاشات التقاعدية وانتزاع السيطرة على أموال صناديق التقاعد العامة وإلغاء العقود، بما في ذلك عقود العمل. ما الذي أدى إلى هذا الاستيلاء؟

القانون في هذا الصدد غامض بشكل ملحوظ. يجوز للحاكم اتخاذ إجراء إذا كان سجل الرواتب مفقوداً، و إذا كانت هناك شكاوى بشأن دفع الفواتير المتأخرة، و إذا كنت المعاشات التقاعدية تعاني من نقص التمويل، و إذا كان هناك قدر كبير من العجز في الميزانية، وهو مصطلح غير محدد.

يعتبر هذا الاستيلاء بمثابة وصفة لأسوأ الانتهاكات من المحسوبية والقمع والفساد. وتعتبر «بينتون هاربور» مثالاً على ذلك. فمن كنوز المواطنين القليلة في «بينتون هاربور» حديقة «جان كلوك»، التي تمتد على مساحة نصف ميل من الكثبان الرملية على حافة بحيرة ميتشغان. تركت هذه الحديقة لأطفال «بينتون هاربور» من قبل أسرة «كلوك» في عام 1917 في ذكرى وفاة ابنتهم.

لكن المطورين بدعم من شركة «ويرلبول» يريدون الآن اقتطاع جزء كبير من الحديقة لتحويله إلى منتجع باسم «هاربو شورز» للغولف لكي يضم فندق يتألف من 350 غرفة ومرسيين، مساحتهما 60 ألف قدم عبارة عن حديقة مائية داخلية (تخصص للأعضاء فقط)، ومضمار مفتوح للغولف لمن يستطيع تحمل دفع رسم دخول بقيمة خمسة آلاف دولار والحصول على موافقة من النادي. لقد قاوم المواطنون في البلدة هذا المشروع، وهو ما يجري النظر فيه حالياً أمام القضاء

. لكن أول إجراء اتخذه القيصر الجديد هو الاستيلاء على هيئة إعادة تطوير «براونفيلد»، على الأرجح باعتبارها وسيلة للمضي قدما في المشروع وتجنب الدعاوى القضائية. لم إذا يعتبر هذا الإجراء مشبوهاً؟ لأن القانون الذي يعمل القيصر جديد تحت مظلته تم اقتراحه من قبل النائب الجمهوري «آل شولكا»، .

وهو مساعد سابق للنائب الأميركي «فريد آبتون»، وريث ثروة شركة ويرلبول». فقد أغلقوا الوظائف، واستولوا على المدارس. ويريدون الآن تعطيل الديمقراطية وتحويل الحدائق العامة إلى ملعب للأغنياء. لكنهم في «بينتون هاربور»، كما هي الحال في «سلما» و«مونتغمري»، نسوا أن أفقر الناس لديهم الشعور بالكرامة.

. كتب الدكتور «مارتن لوثر كينغ» يقول: «المأساة الشديدة ليست في القمع والقسوة اللذين يمارسهما شرار الناس، ولكن في الصمت على ذلك من قبل الأخيار». في «بينتون هاربور»، حان الوقت للأخيار أن يجعلوا أصواتهم تسمع.

Email