السودان وحديث عن الحرب

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل تتجدد الحرب في السودان بين الشمال والجنوب؟

بعد أقل من شهرين ينفصل الجنوب ليتحول إلى دولة مستقلة ذات سيادة، وفقاً لما نصت عليه اتفاقية نيفاشا للسلام المبرمة في عام 2005. والسؤال المطروح يزداد إلحاحاً ـ وخطورة ـ كلما تسارع إيقاع العد التنازلي صوب يوم الانفصال، لأن هناك قضايا معلقة تتطلب حلولاً مرضية للطرفين عن طريق التحاور السلمي، قبل حلول اليوم الموعود.

 

أشد هذه القضايا التهاباً قضية مصير منطقة «أبيي»، الملاصقة للخط الحدودي الفاصل بين الشمال والجنوب. ومما يعقد من أمر هذه القضية، أنها مأوى لقبيلتين؛ قبيلة المسيرية العربية، وقبيلة الدينكا الزنجية.

 

لقد بدأ الخلاف حول هذه القضية، بين حزب «المؤتمر الوطني» الحاكم في السودان وحزب «الحركة الشعبية» الحاكم في الجنوب، منذ مفاوضات السلام التي سبقت اتفاق نيفاشا. ولأن العملية التفاوضية لم تؤد إلى اتفاق يرضي الطرفين معاً، فإن النص الذي توصلا إليه في وثيقة اتفاقية السلام، يقضي بإجراء استفتاء منفصل في منطقة أبيي لتحديد تبعيتها النهائية.

 

. لكن عندما حان وقت الاستفتاء، رفضت إدارة الحكم الذاتي التي أنشئت في الجنوب بمقتضى اتفاقية السلام، مشاركة أهل قبيلة المسيرية في عملية التصويت.

الآن جرى تصعيد جنوبي خطير، فقد اتخذت الحكومة الجنوبية خطوة مصيرية أحادية الجانب، بهدف وضع الشمال أمام أمر واقع.

 

لقد رسمت حكومة «الحركة الشعبية» مسودة دستور للدولة الجنوبية المستقلة، وضعت بموجبه منطقة أبيي داخل الرقعة الأرضية للدولة المرتقبة، محددة بذلك المصير النهائي للمنطقة، دون تشاور مع الحكومة السودانية في الشمال.

 

هذا بالطبع وضعٌ من شأنه إثارة احتمال اندلاع حرب جديدة بين الشمال والجنوب. إنه احتمال من الناحية النظرية. فهل تتجدد الحرب الشمالية الجنوبية فعلاً على الصعيد العملي؟

 

موقف الحكومة السودانية هو الاحتكام إلى حدود عام 1956. فعندما أعلن استقلال السودان في مطلع ذلك العام، كانت أبيي داخل إقليم جنوب كردفان التابع للرقعة الأرضية الشمالية.

 

والأطالس الجغرافية العالمية تنطق بذلك. السيناريو النظري، يقول إن إعلان قيام الدولة الجنوبية المستقلة في يوليو المقبل، سوف يترافق معه قيام حكومة الدولة الجديدة بالاستيلاء على منطقة أبيي بالقوة العسكرية، لتحقيق ضمها إلى الأرض الجنوبية وكأنها جزء لا يتجزأ من الجنوب. في المشهد الحالي، وجود عسكري فعلي لحكومة «الحركة الشعبية» في المنطقة.

 

وعلى الجانب الآخر وجود عسكري مماثل للحكومة السودانية.. إذن، هو مشهد جاهز لصِدام قتالي كبير بين الجانبين، من المؤكد أن يتحول مع مرور الزمن إلى حالة حرب ضارية على نطاق متوسع. وهناك أيضا وجود عسكري لقبيلة المسيرية.

 

مع ذلك، فإن الاحتمال المرجح هو ألا تنشب حرب بين الشمال والجنوب. لماذا؟ لأن حكومة «الحركة الشعبية» في الدولة الجنوبية الجديدة، ستكون متورطة في حرب أهلية قبلية داخل الجنوب نفسه، بما يجعلها عاجزة عن خوض حرب إضافية مع الشمال. بل إن الحرب الجنوبية ـ الجنوبية مشتعلة بالفعل في الوقت الحاضر.

 

علينا أن نستذكر أن «الحركة الشعبية» كحزب وسلطة حاكمة في الجنوب، لا تمثل سوى قبيلة جنوبية واحدة هي قبيلة الدينكا. والحرب الدائرة حالياً ظلت تشنها على مدى السنوات الثلاث الأخيرة ميليشيات القبائل الأخرى ـ خاصة في إقليم أعالي النيل والإقليم الاستوائي ـ التي تعبر عن احتجاج ضد تهميشها وإقصائها عن مؤسسات سلطة الحكم في الجنوب، بعد أن انفردت «الحركة الشعبية» باحتكارها .

 

. الآن، هناك سبع ميليشيات للقبائل المناوئة ـ والتي تشكل غالبية أهل الجنوب ـ منخرطة في القتال المتصاعد ضد جيش الحركة الشعبية. وكلما اقترب اليوم الموعود لإعلان قيام الدولة الجنوبية المستقلة، ازدادت ضراوة القتال وتوسع نطاقه.

 

ومما ضاعف من غضب قيادات هذه القبائل وسياسييها، أن مسودة الدستور التي أعدتها قيادة «الحركة الشعبية» للدولة الجديدة، روعي في صياغة نصوصها أن تضمن الحركة لنفسها تثبيت احتكارها لمؤسسات السلطة إلى الأبد .

 

. ومن أبرز هذه النصوص نص يقضي بإنشاء مرحلة انتقالية يتولى خلالها الفريق سلفاكير ميارديت زعيم «الحركة الشعبية»، منصب رئيس جمهورية الدولة المرتقبة لمدى أربع سنوات، بسلطات استثنائية.

 

في مثل هذه الظروف الملتهبة، يصبح من الصعب تصور دخول سلطة الحركة الشعبية في الدولة الجنوبية الجديدة، حرباً ضد الشمال، في الوقت الذي تواجه حرباً قبلية جنوبية تهدد بقاءها على قيد الحياة.

 

Email