مصر والمسار الصحيح نحو الديمقراطية

ت + ت - الحجم الطبيعي

مرة أخرى، يشكل المصريون نموذجاً يحتذى به لإخوانهم في العالم العربي. فبعد مرور أكثر من شهرين على تنحي الرئيس المصري السابق حسني مبارك من منصبه، فإن المصريين يظهرون أنه يمكنك القيام بثورة ناجحة، ويتابعك ويعجب بك الجميع في أنحاء العالم تقريباً، ولكن لا يغير ذلك هويتك.

وفيما هم يمضون في طريقهم نحو الديمقراطية، التي يفترض في إطارها أن يتمتع الجميع بحقوق متساوية، انطلق عشرات الألوف من الأشخاص في صعيد مصر، في مسيرة غاضبة لأن الرجل الذي تم تعيينه محافظاً جديداً للإقليم مسيحي قبطي. وقام المتظاهرون بإغلاق الطرق والسكك الحديدية، واحتلوا المباني الحكومية، وهدّدوا بالتصدي للمحافظ الجديد.

يشكل المسيحيون نحو 10% من المصريين، وقد طرأت توترات على العلاقات بين المسيحيين والمسلمين، لكنها آخذة في التصاعد الآن. في بلدة أخرى ليست بعيدة، قام الأهالي بأعمال شغب من أجل إزالة مطب لتقليل السرعة على الطريق خارج منزل محام مسيحي بارز، ولقي شخصان مصرعهما.

رأينا هذا الوضع في العراق بعد سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين. فما أن تكشف الغطاء، حتى تجد غلياناً بالفعل. لكن مصر بلد مختلف، نسيجها الاجتماعي متجانس في معظمه. ومع ذلك، مثل كل الدول، لديها انقساماتها وتعصباتها وعاداتها السيئة الخاصة بها منذ أمد طويل، وهي حالياً آخذة في النمو. ربما يحول بعض هذه الأمور دون أن تحقق مصر الانتقال إلى الديمقراطية، الذي يمثل طموح الكثير من المصريين المتحمسين لذلك.

وقد تظاهر ألوف من المصريين، بعد الثورة، خارج مقر السفارة الإسرائيلية في القاهرة، والقنصلية الإسرائيلية في الإسكندرية، متهمين إسرائيل بــ«الإبادة». ودعوا الى انتفاضة فلسطينية ثالثة وطرد السفير الإسرائيلي، وقد غادر هذا السفير مصر أخيراً. فلطالما احتقر كثير من المصريين إسرائيل، لكني أشك أن مبارك كان سيسمح بهذا.

في الوقت الحالي، يتولى الجيش المصري موقع المسؤولية، والمؤسسة العسكرية هي نفسها القوة التي أشاد بها المحتجون عندما نزلت دباباتها للمرة الأولى في ميدان التحرير، وهتف المتظاهرون حينئذ: «الشعب والجيش يد واحدة». لكن هذه الروح لم تعد قائمة، فمؤخراً أدانت محكمة عسكرية مصرية مدوناً بتهمة «سب الجيش»، وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات.

ولكن بعد ذلك، يظهر قادة الجيش حالة كاملة من الفصام، إذ يبدو أنهم يخشون بشكل مخيف من اندلاع المزيد من المظاهرات. وفي الأسابيع الماضية، أصدر الجيش أمراً بإلقاء القبض على مبارك ونجليه، وألقت الحكومة المؤقتة القبض على رئيس الوزراء المصري السابق ووزير المالية وغيرهما، وقامت بحلّ حزب مبارك السياسي وجهاز أمن الدولة السابق. وقد كان كل ذلك استجابة مباشرة لمطالب المتظاهرين. وأشار محمد البرادعي، المرشح للرئاسة بقوله: «يبدو على الأقل أن القيادة العسكرية بحاجة للضغط».

لكن مثل أي مؤسسة مصرية أخرى، فإن قادة الجيش إذا تركوا وشأنهم فإنهم سينجرفون مرة أخرى في اتجاه الحكم الاستبدادي الذي ينطوي على المصلحة الذاتية. وفي مقابلة تلفزيونية، نقلتها مجلة الايكونوميست، تحدث أحد أعضاء المجلس العسكري الأعلى قائلاً: «إن حرية التعبير مكفولة في مصر الجديدة، طالما أنها تتم باحترام ودون تشكيك في القوات المسلحة».

لا تختلف الحكومة الانتقالية عن هذا الموقف، فهي تسمح بانطلاق محطات تلفزيون تجارية جديدة. وفي الوقت نفسه، أصدر مجلس الوزراء مرسوما يجرم القيام بمظاهرات، مثل تلك التي جاءت بهم إلى السلطة.

أين سوف يأخذنا هذا؟ يحكم الساحة الآن قانون غير قابل للانتهاك؛ فلا يمكن أن يكون من السهل زرع الديمقراطية في أي دولة ما لم يطالب شعبها وقادتها بذلك، وإلا فإن حكم الأقلية في البلاد سوف يكافح من أجل استعادة النظام القديم، ولحماية مناصبها وامتيازاتها الاستثنائية.

حسنا، في مصر يمتلك الجيش أكبر وضعية تتعين حمايتها، فهو متداخل بعمق مع الاقتصاد المصري، حيث يدير مستشفيات للربحية، ومصانع للسيارات، ومجموعة من الشركات الأخرى التي تجلب الثروة للقادة العسكريين. لكن الآن هبطت السياحة، ويعاني الاقتصاد المصري من الركود. وفي محاولة محمومة، ناشد وزير السياحة السياح بالعودة، وأصرّ على القول: «إن مصر آمنة، وان المتطرفين يشكلون نسبة ضئيلة من السكان».

ومع ذلك، وقبل بضعة أيام، خفضت وكالة خدمات المستثمرين «موديز» تقييمها للنظام المصرفي في مصر من «مستقر» إلى «سلبي». وطلبت الحكومة المؤقتة من الوكالات الدولية قروضاً بقيمة 2.6 مليار دولار.

ربما يكون الجيش أكبر مؤسسة أعمال في مصر، فهل يمكن أن تكون لذلك علاقة بسلوك الفصام، من خلال الاستجابة السريعة للمظاهرات التي تخيف السياح، في حين يعمل الجيش جاهدا من أجل الحفاظ على الوضع الراهن الذي يجعل من قادته أثرياء؟

من بين جميع الممارسات السيئة المعتادة في البلاد، فإن تصرف الجيش هو الذي يجب أن يكون تحت السيطرة، إذا كانت مصر تسعى لتحقيق الديمقراطية الحقيقية.

 

Email