هل كانت باكستان تعلم مكان بن لادن؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

حتى في الوقت الذي يحتفل العالم بمقتل أسامة بن لادن، فإنني أجد نفسي أيضاً غاضباً تماماً من باكستان. هذه الدولة تجتهد وتمزق المصداقية، لكي نصدق أنه لا يوجد أي باكستاني في السلطة على علم بأن الرجل الذي يتصدر قائمة المطلوبين عالمياً، كان يعيش على بعد أميال قليلة من العاصمة إسلام أباد، أي أقل من نصف كيلومتر من قاعدة عسكرية كبيرة. وكان هذا كل ما لدى باكستان لتقوله إزاء ذلك منذ صباح يوم مقتله، وأنا لا أصدق كلمة واحدة من هذا.

 

في البداية، تحفظ الرئيس الأميركي باراك أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، وقدما الشكر غير المباشر لحلفائهما الباكستانيين. ولكن بعد ذلك، لم يستطع «جون برينان» مستشار الرئيس أوباما لمكافحة الإرهاب، التكتم على الأمر. وقال للصحافيين:

 

أعتقد أنه من غير المتصور أن ابن لادن لم يكن لديه نظام دعم في باكستان، ما سمح له بالبقاء هناك لفترة طويلة من الوقت.. عدة سنوات على الأقل. وأضاف: «سوف نتابع كل الخيوط لمعرفة ما هو نوع نظام الدعم والداعمين الذين كانوا يقدمون المساعدة لابن لادن». فمن المستحيل أن ابن لادن كان قد عاش في «أبوت أباد».

 

وهي إحدى ضواحي إسلام أباد المترفة، في منزل شديدة التحصين، وأكبر بكثير من أي من المباني حوله، لمدة لا تقل عن خمس سنوات، في قلب مدينة عسكرية، دون أن يعلم بوجوده أي أحد سوى مسؤولي الاستخبارات الأميركية.

ما هذه الأمة التي كانت تسمح ببناء مثل هذا الموقع الذي يبعد أقل من نصف كيلومتر من قاعدة عسكرية كبرى، على الأقل دون طرح بعض الأسئلة؟

 

الآن نعرف جميعاً التعامل مزدوج المعايير من جانب باكستان. ففي حين تلقت معونات بقيمة ‬22 مليار دولار من أميركا على مدى العقد الماضي، كان جهاز الاستخبارات الباكستاني يدعم باستمرار شبكة «حقاني» وغيرها من الجماعات الإرهابية التي كان هدفها الوحيد في الحياة، هو قتل الأميركيين في أفغانستان.

 

في الشهر الماضي، سافر رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني إلى كابول لعقد اجتماع مع الرئيس الأفغاني حامد قرضاي، وحث جيلاني الرئيس قرضاي على إسقاط شراكته الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، وأن يربط مصيره مع باكستان بدلاً من ذلك، قائلاً إن أميركا فشلت معهما على حد سواء.

 

ربما كان يمكن لقرضاي أن يسايره لولا المئة مليار دولار التي تنفقها الولايات المتحدة على الحرب في أفغانستان كل عام، والمبالغ الكبيرة التي تنتهي إلى جيوب قرضاي وأصدقائه وأفراد عائلته.

 

خلال كلمة ألقاها قائد الجيش الباكستاني الجنرال أشفق برويز كياني، مؤخراً، أمام الأكاديمية العسكرية في «أبوت أباد»، أعلن أن الجيش الباكستاني شنّ بنجاح حملة على المتشددين من تنظيم القاعدة، وأنه «يدرك تماماً التهديدات الداخلية والخارجية التي تواجهها بلاده». ربما كان ابن لادن يسمع ذلك تقريباً وهو على سقف داره.

 

في إسلام أباد، تسود حالة ارتباك بين المسؤولين الحكوميين. ورداً على سؤال حول مقتل أسامة بن لادن، قال رئيس الوزراء جيلاني إن الحكومة لم تكن لديها «التفاصيل الدقيقة حول الحادث».

 

وفي الأسابيع السابقة على ذلك، طالب جيلاني ومسؤولون باكستانيون آخرون على نحو غاضب، بأن تسحب الولايات المتحدة جميع عناصر المخابرات خارج باكستان، وأن توقف هجمات الطائرات التي تعمل بالتحكم عن بعد على المناطق القبلية في البلاد.

 

جاء كل ذلك نتيجة إلقاء القبض في يناير الماضي على «ريموند ديفيس»، عميل الاستخبارات الأميركية الذي أطلق النار على باكستانيين حاولا سرقته. ثارت حالة من الغضب بين الباكستانيين عندما أصبح واضحاً أن عناصر الاستخبارات الأميركية كانت تمارس عملها سراً داخل بلادهم. والآن فإننا نعلم ماذا كانوا يفعلون.

 

إذن، فإن لدينا عناصر البحرية الأميركية التي نفذت هجوماً مسلحاً في قلب باكستان، دون مشاركة باكستانية. ماذا بوسع الحكومة قوله؟ كنا نعرف ذلك، فهل أيدناه؟ إن ذلك من شأنه إثارة الشغب على نحو دموي.

بعد ساعات من مقتل ابن لادن، التقى رئيس الوزراء جيلاني مع «مارك غروسمان» المبعوث الدبلوماسي الأميركي إلى المنطقة.

 

بعد ذلك، أصدر مكتب رئيس الوزراء أكثر البيانات غموضاً وتحفظاً، وأكثرها حدة، خوفاً من رد فعل الشعب. وجاء في البيان: «شدّد جيلاني على الحاجة لتبادل الرسائل البناءة والإيجابية من الجانبين حول عملية اليوم.

 

إن الحساسيات في هذا الصدد يجب أن ينظر إليها بقدر من الأهمية، بدلاً من أن تكون موضع تجاهل». وبعبارة أخرى، لا تلقوا باللوم علينا.

 

في واشنطن، في الوقت نفسه، ادعى حسين حقاني سفير باكستان لدى الولايات المتحدة، أن حكومته ببساطة لم تكن على علم بأن ابن لادن كان يعيش على بعد ‬35 كيلومتراً من العاصمة إسلام أباد.

 

وصرح لشبكة «سي إن إن» بالقول: «لو كانت الحكومة الباكستانية تعلم أن أسامة بن لادن كان هناك، لكنا ألقينا القبض عليه. لم نكن على علم، ولم تكن لدينا معلومة بذلك. ولو كانت لدينا معلومة، لكنا عملنا على ذلك منذ فترة طويلة». هل نصدق ذلك؟!

 

 

Email