تحذير أميركي لاتيني للمنطقة العربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

دعنا نفترض للحظة أن مصر وتونس واليمن ودولاً عربية أخرى تحفل بالحوادث في الوقت الراهن، قد أفلحت على نحو ما في أن تصبح دولا نابضة بالحياة والنظم الديمقراطية الليبرالية.

 

يفشل المتشددون في شق طريقهم إلى السلطة، ويجري استبعاد بقايا النزهة السلطوية من دساتيرها الجديدة، والجماعات الإرهابية لا تتربص وتنتظر اللحظة المناسبة للزحف في طريقها إلى السلطة.

 

هذه افتراضات طموحة، على أقل تقدير. ولكن حتى في الوقت الذي ينتظر العالم بلهفة رؤية ما يحدث، نظرا لإمكانية أن تقع هذه الدول في أيدٍ خبيثة، يبدو أن ما من أحد يفكر في أهم عامل من شأنه أن يحدد ما إذا كانت الحكومات الجديدة تنجح أم تفشل، وهو باختصار؛ الازدهار.

 

عندما اندلعت تلك الانتفاضة لأول مرة في تونس في ديسمبر الماضي، لم يكن هدف المتظاهرين الإطاحة بالديكتاتور من السلطة. لا، فقد كانوا فقراء، وكانوا جياعاً، وكانوا يريدون أكثر من أي شيء آخر، تحقيق حياة الرفاه الاقتصادي. وكما أظهر جزء آخر من العالم بشكل مناسب، فسوف يتعين على القادة العرب في المستقبل، أن يوفروا ذلك الازدهار وبسرعة، وإلا سوف يفشلوا.

 

قبل ‬20 عاما فقط، شهدت أميركا اللاتينية ربيعاً ديمقراطياً مماثلاً، واحدا تلو الآخر، وتحول معظم الدول من ديكتاتوريات وحشية، إلى ديمقراطيات انتخابية بشرت بحريات ديمقراطية.

 

فقد سقطت «كأنها مجموعة من أحجار الدومينو»، حسبما تذكر «غونزالو ماروكين» رئيسة رابطة الصحافة للبلدان الأميركية. كانت الآمال كباراً، ولكن بعد عقد من الزمن، بدأت خيبة أمل مريرة تخيم على الوضع.

 

وكما يعبر «ألبرت رامدين»، الأمين العام المساعد لمنظمة الدول الأميركية، فـ«إن فشل الديمقراطيات في المنطقة في تحقيق تحسن ملموس في نوعية الحياة للأغلبيات التي تعيش فيها، تمت ترجمته إلى عدم الرضى المتزايد عن الديمقراطية، والاستعداد لتفنيد الفوائد وأداء الحكومات المنتخبة ديمقراطيا». بعبارة أخرى، فإن تلك الحكومات الديمقراطية الجديدة المتبجحة، خذلت شعوبها.

 

فماذا حدث؟ صعد «هوغو شافيز» إلى سدة الحكم في فنزويلا، وقدم الاشتراكية الشعبوية، ومعها نزعة سلطوية أكبر من أي وقت مضى. وقدم أسلوبه في الحكم نموذجاً وبائياً، اجتاح المنطقة مثل الطاعون.

 

الآن، تمارس الحكومات في الاكوادور وبوليفيا وهندوراس ونيكاراغوا والأرجنتين، من بين دول أخرى، تضييقاً على وسائل الإعلام، الأمر الذي أدى في بعض الحالات إلى مقتل صحافيين، لأنها تعرف تماماً أن الصحافة الحرة هي العدو الأقوى للحكم الاستبدادي.

 

في الأرجنتين، أرسلت الحكومة مؤخراً، مرتزقة لإغلاق أكبر مؤسسة صحافية في البلاد، والتي كانت كثيراً ما تنتقد الرئيس، حتى لا تتمكن من توزيع الصحف.

 

تتواصل مشكلات من هذا القبيل في العديد من بلدان أميركا اللاتينية، ويتم توجيه التهم للسلطات بالمسؤولية عن مقتل تسعة صحافيين في هندوراس في الأشهر الأخيرة.

 

وفي فنزويلا، قال الصحافي «تيودور بيتكوف»: «إننا نعيش في حالة مواجهة مستمرة مع الحكومة الاستبدادية السلطوية، التي تسيطر على كل القوى». وقام تشافيز بتأميم عشرات المحطات الإذاعية والتلفزيونية.

 

في كولومبيا، قال الصحافي «هولمان موريس»: إن قوة من الأمن الداخلي التابعة للحكومة «قدمت ترتيبات خدمة جنائزية على باب منزلي».

 

وفي الإكوادور، قال الصحافي «سيزار ريكورت» إن الرئيس الإكوادوري «رافائيل كوريا» قال لشعبه: «إن الصحافة هي العدو الرئيسي للشعب». وفي الشهر القادم، سوف تجري الإكوادور استفتاء من شأنه أن يضع على نحو فعال، الصحافة تحت رقابة الحكومة.

 

جاءت هذه التصريحات من هؤلاء الصحافيين في اجتماع مشترك لنقابة الصحافة الأميركية مؤخراً. وأعلن رئيس النقابة أنه على صعيد المنطقة، «فإننا نعرف أن الأعداء المعروفين لحرية التعبير هم هؤلاء الساسة غير المتسامحين من ذوي الأحلام في البقاء في السلطة».

 

بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، يعتبر هذا مثالاً تحذيرياً مقنعاً. وعادة ما تكون مسألة قمع حرية الصحافة الخطوة الأولى على طريق الديكتاتورية.

 

تجد أميركا اللاتينية نفسها في هذا المكان، بسبب فشل قادتها الديمقراطيين في وضع التنمية الاقتصادية على قمة جداول أعمالهم.

 

حسنا، يواجه الزعماء الديمقراطيون المحتملون في الشرق الأوسط حواجز أعلى من ذلك، وقبل اندلاع الثورات، بلغ متوسط الدخل السنوي للفرد في مصر ‬2007 دولارات، ووصلت البطالة بين الليبيين إلى ‬30٪.

 

ويتسم الفشل الواسع للديمقراطية في معظم أنحاء أميركا اللاتينية، بأنه مأساوي وفي حالة يرثى لها.

 

ولكن أود القول ان الديمقراطية إذا فشلت في الشرق الأوسط، فإن هذا سيكون كارثة على العالم بأسره. فمن سيحل محل هؤلاء القادة الديمقراطيين الفاشلين؟ والعالم العربي لا عهد له بالاشتراكية الشعبوية!

 

هناك الكثير من الأمور على المحك، بحيث ان كل منظمة دولية كبرى، مثل الأمم المتحدة والاتحاد الاوروبي ورابطة دول جنوب شرق آسيا والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية، ينبغي أن تصعد العمل بصورة عاجلة، لضمان أن أي حكومة عربية ديمقراطية جديدة سيواكبها التوفيق، وتدرك أننا نواجه أهم قضية في عالمنا المعاصر.

 

Email