‬150 عاماً على انطلاق الحرب الأهلية الأميركية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تمر هذه الأيام مئة وخمسون عاماً على اندلاع الحرب الأهلية الأميركية، والصراع الوحشي حول ما إذا كانت أميركا أرضاً للحرية أم العبودية.

 

حيث فقد الأميركيون المزيد من الخسائر في الأرواح خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية مجتمعتين.

 

وتم إنهاء الرق، لكن لم يتم إنهاء الظلم العنصري. ففي الجنوب الأميركي، بدأ إنكار أن العبودية كانت سبباً جذرياً للانفصال فور استسلام الكونفدرالية.

 

يتواصل هذا الإنكار للواقع لكي يفسد الحياة السياسية الأميركية حتى يومنا هذا.

 

في مقالة رائعة نشرت بمجلة «تايم» الأميركية بعنوان «الطريقة التي لم نكن نتبعها»، يشير الكاتب «ديفيد فون دريهلي» إلى أن استطلاعاً حديثاً للرأي أجرته مؤسسة «هاريس انتراكتيف» سأل أميركيين عما كانت تدور حوله الحرب الأهلية.

 

حيث وجد الاستطلاع أن معظم الأميركيين، بمن في ذلك ثلثي المشاركين من البيض في إحدى عشر ولاية شكلت الكونفدرالية، أجابوا بأن الجنوب الأميركي كان معظم ما يحفزه هي «حقوق الولايات»، وليست مسألة مستقبل العبودية.

 

فقد قدمت حجة «حقوق الولايات» الأساس المنطقي لإنهاء إعادة الإعمار بعد الحرب الأهلية، مخلفة الوعد للعبيد المحررين، ومعيدة ربط الجنوب تحت نظام الفصل العنصري.

 

وعندما أنهت حركة الحقوق المدنية، أخيراً، مسألة التفرقة القانونية، أصبحت «حقوق الولايات» راية قاوم تحت ظلها الجنوب الفصل العنصري في المدارس.

 

أقيم الحزب الجمهوري الحديث على استراتيجية الجنوب، مستخدمين مسألة العرق كوسيلة لإحداث انقسام بين صفوف الناخبين من الطبقتين الدنيا والمتوسطة الدخل.

 

وعندما بدأ الرئيس الأميركي الأسبق «رونالد ريغان» حملته الانتخابية بالحديث عن حقوق الولايات وسيطرة المجتمع في فيلادلفيا بولاية ميسيسيبي، تلك المدينة المعروفة حصرياً بمقتل ثلاثة موظفين للحقوق المدنية، فقد وصلت الرسالة إلى مسامع الجميع.

 

لا يعد الإنكار مجرد متلازمة للولايات الكونفدرالية السابقة. فقد كانت العبودية منتشرة أيضاً في الشمال، وكذلك التمييز.

 

وعندما جاء العبيد وأطفالهم إلى الشمال الأميركي، وجدوا أنفسهم محرومين من الحصول على منازل ومدارس ووظائف جيدة.

 

وحتى يومنا هذا، يعد الأميركيون من أصول إفريقية آخر من يحصل على وظيفة وأول من يتم الاستغناء عنهم، ويعانون ضعف ما يعانيه الأميركيون البيض في معدل البطالة.

 

وحتى يومنا هذا، يلتحق الأطفال الأميركيون من أصول إفريقية بمدارس عامة، وغالباً ما يعانون من الظلم الوحشي في مسألة التمويل والحصول على مدرسين متمرسين.

 

وحتى يومنا هذا، يتعين على الأميركيين السود خوض صراع مع نظام الظلم الإجرامي يجعلهم أكثر عرضة من البيض إلى أن يتم توقيفهم، والأكثر عرضة للتفتيش إذا تم توقيفهم.

 

والأكثر عرضة لإلقاء القبض عليهم والسجن على الجرائم نفسها.

إن مشكلة القرن العشرين، كما كتب «دبليو.إي.بي. دو بوا»، هي مشكلة الفاصل اللوني».

 

والآن، في الوقت الذي تتحول أميركا إلى أن تكون بلداً غالبية سكانه من الأقليات.

 

فإن مشكلة الفاصل اللوني تبقى سائدة في القرن الحادي والعشرين. نعم، لقد تم إحراز تقدم كبير، كما يشهد على ذلك وجود الرئيس الأميركي باراك أوباما في سدة الحكم بالبيت الأبيض.

 

لكن مسألة العرق لا تزال تصبغ طبيعة مناقشاتنا، وتشوه أولوياتنا. عندما دمرت انتهاكات «وول ستريت» التنظيمية والمفرطة الاقتصاد العالمي، فقد سعى المحافظون إلى الدفاع عما اعترف وزير الخزانة الأميركي السابق «ألان غرينسبان» أنه كان «خطأ» في نظرتهم للعالم.

 

وذلك من خلال إلقاء اللوم على السود. وقالوا بوجه متجهم إن التجمع الضخم للوبي الفقراء أجبر البنوك المنكوبة على تقديم القروض للمقترضين غير المؤهلين في المناطق الحضرية.

 

وبالتالي أسهم ذلك في تضخيم فقاعة الإسكان والتسبب في الفوضى. ناهيك عن أن معظم قروض الرهن العقاري أصدرتها مؤسسات مالية وتم تسويقها بواسطة بيوت خبرة مالية لم يشملها قانون إعادة الاستثمار المجتمعي.

 

وناهيك عن أن البنوك كانت شديدة الجشع لدرجة أنها ابتكرت حزماً اصطناعية وهمية من القروض العقارية من أجل المضاربة.

 

تتسم أميركا بأنها بلد أكثر اتساماً بعدم المساواة، في ظل وجود المزيد من الأطفال يعيشون في الفقر، المزيد من المواطنين دون رعاية صحية، مقارنة بدول صناعية أخرى. ينكر الكثيرون أن ذلك له علاقة بمسألة العرق.

 

بل هي تقليد لدينا في حكومة صغيرة وحقوق الولايات. لكن هناك شك محدود حول ما إذا كان الأميركيون من عرق واحد وليس من بوتقة انصهار، إذا كنا لم يتم تلطيخنا بالعبودية والتفرقة العنصرية.

 

فإننا نبذل أقصى ما يمكن لضمان انطلاقة صحية وعادلة في الحياة لكل طفل.

 

اليوم، تزداد حالة الأميركيين من أصل أفريقي سوءاً. فحالة التمييز العنصري الواقعة آخذة في التوسع.

 

والتخفيضات في التعليم العام والنقل العام والرعاية الصحية العامة والتدريب على الوظائف تضر الأميركيين الأفارقة على نحو يتسم بالتفرقة. المسألة لا تتعلق بالعجوزات.

 

لكنها مسألة أولويات. ويريد الجمهوريون على صعيد الولايات والقومي خفض الضرائب على فئة أغنى الأغنياء في أميركا، في حين يريدون خفض الخدمات لأكثر الفئات ضعفا.

 

عندما تحدث الدكتور «مارتن لوثر كينغ» في واشنطن في ‬1963، كان حديثه يدور حول حاجة أميركا للوفاء بوعدها في المساواة.

 

وإننا نصدر هذا الطلب نفسه إلى الكونغرس والادارة اليوم، وهو الحاجة لإجراء تحليل صادق حول التفاوت وعدم المساواة في أميركا اليوم،.

 

ورسم خطة للعلاج والاستثمار وإعادة الإعمار. سوف يكلف العلاج أقل من الضرر من تزايد الفجوات، حيث أصبحت الندبات مؤلمة.

 

وبعيداً عن الافتتان بــ «الحلم» بأميركا جديدة، هناك حاجة لأن يفي زعماؤنا بالوعود التي لم يتم تنفيذها،.

 

وهي الالتزام بالمساواة وتطبيق القانون المدني الذي يتطلب التنفيذ والتمويل، أقل من كونه شعاراً طناناً ورمزاً مدوياً. حانت لحظة رأب الصدع. فلنحتفل بذلك جميعاً.

 

وبالجرأة نفسها التي نهاجم بها الأزمات الإنسانية في أفغانستان وليبيا، فلنعمل على استعادة سلطتنا المعنوية من خلال الوفاء بالوعود التي لم يتم الوفاء بها في داخل أميركا.

 

إن مشكلة الفاصل اللوني، حسبما كتب «دوبوا»، هي مشكلة القرن العشرين. وسوف يقتضي الأمر هذا النوع من العمل الجريء لضمان عدم استمرار المشكلة في القرن الحادي والعشرين.

مرشح سابق للرئاسة الأمريكية

Email