إسرائيل ورياح التغيير العربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في صيف عام ‬1982 سقطت بيروت في يد الجنرال آرييل شارون. تلك كانت أول عاصمة عربية تقتحمها القوات الإسرائيلية، بعد إبرام اتفاقات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل.

 

وكان المغزى ولا يزال، هو أن خروج مصر من دائرة الصراع العربي/ الإسرائيلي بموجب «معاهدة السلام» تلك، يجعل الوطن العربي من أدناه إلى أقصاه مستباحا بالكامل للطموح التوسعي الإسرائيلي.

 

لقد دخل شارون تلك العاصمة العربية على ظهر دبابة، لاقتلاع جذور الوجود الفلسطيني من على الأرض اللبنانية، ابتداءً من تصفية منظمة التحرير الفلسطينية. ومع جسامة الحدث،.

 

فإن من عاشوا تلك الأيام الكئيبة يذكرون جيداً أن شعوب العالم العربي كانت في حالة استسلام تجاه المشهد، الأمر الذي شجع القائد العسكري الإسرائيلي على تدبير مذبحة صبرا وشاتيلا،.

 

والإشراف على تنفيذها بالتواطؤ مع قوة سياسية محلية، تلك المذبحة التي راح ضحيتها نحو ثلاثة آلاف فلسطيني.. رجالا ونساءً وأطفالاً.

الآن، وعلى خلفية الفوران الثوري الذي يجتاح العالم العربي.

 

فإن مثل هذا المشهد لن يكون قابلاً للتكرار. سوف تتردد إسرائيل في شن حملة دموية بمثل هذا الحجم والخطورة، على أي عاصمة عربية.

 

أما إذا ركبت مثل هذه المخاطرة الجسيمة، فإن الفوران الشعبي العربي سوف يتضاعف كمقدمة لتداعيات تتهدد مصير الوجود الإسرائيلي نفسه.

 

هذا الاستخلاص ليس استنتاجاً نظرياً، وإنما هو قناعة علمية توصلت إليها شخصيات إسرائيلية رصينة، انطلاقاً من قراءة صحيحة لما ظل يجري في أنحاء العالم العربي من تطورات عارمة، تنبئ بأن الصراع العربي/ الإسرائيلي دخل،.

 

في ما يبدو، مرحلة جديدة تماما، أو صار على الأقل مرشحاً لدخول هذه المرحلة. ومما يضفي مصداقية قوية على صحة هذه القراءة، أن من بين هذه الشخصيات رؤساء سابقون لجهاز الموساد وجهاز الأمن الداخلي والجيش.

 

لقد تداعى هؤلاء إلى تشكيل مجموعة قامت بوضع مبادرة للسلام بين إسرائيل والعرب، تستجيب إلى حد كبير للحقوق العربية المشروعة، خاصة في فلسطين وسوريا.

 

وفي هذا الصدد تقول صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، إن هذا المشروع مستلهم من التغييرات التي تشهدها المنطقة العربية، وأنه يتجاوب مع مبادرة السلام العربية التي صدرت في عام ‬2002 وأعيد طرحها في عام ‬2007.

 

ويدعو المشروع الإسرائيلي الجديد، إلى إقامة دولة فلسطينية على كافة أراضي الضفة الغربية تقريبا وقطاع غزة، وأن تكون عاصمتها أجزاء كبيرة من القدس الشرقية. كما يدعو إلى انسحاب إسرائيل من هضبة الجولان السورية.

 

بإيجاز؛ فإن هذه المبادرة الإسرائيلية تهدف، كما يقول أصحابها، إلى وضع نهاية للصراع العربي/ الإسرائيلي «قبل فوات الأوان»،.

 

أي قبل أن تجتاح رياح التغيير في العالم العربي الأنظمة الدكتاتورية، التي تتبنى نهج المهادنة مع الدولة الإسرائيلية على حساب الحقوق العربية.

 

لقد أطاح التيار الثوري الجارف حتى الآن بنظامين ـ نظام حسني مبارك في مصر ونظام زين العابدين بن علي في تونس ـ كانا من أقوى الأنظمة ضمانا لأمن إسرائيل.

 

على أننا نلاحظ في هذا الصدد، أن أجندة الفوران الشعبي في مصر، على سبيل المثال، تنحصر في القضايا والمسائل الداخلية.

 

لكن علينا أن نلاحظ أيضا أن المخاض الحالي، ليس سوى فترة مرحلية أساسية وضرورية لمشوار طويل.

 

إنها مرحلة إعادة ترتيب البيت، من أجل إقامة جهاز حكم وطني يعيد السيادة الوطنية الضائعة للدولة المصرية، لتتعامل مع الشأن الخارجي بكفاءة وقوة واستقلالية كاملة.

 

وفي مقدمة الشؤون الخارجية سيكون هناك بالطبع تصويب علاقة مصر مع إسرائيل، لتستعيد دورها الحضاري القيادي.

 

الزخم الثوري المتصاعد، سوف ينتهي في مصر إلى قيام نظام ديمقراطي ليبرالي رصين. وفي هذا الوضع سوف تفرض قوى الشباب الثائر نفسها، إما كسلطة حكم وطنية أو معارضة نافذة الإرادة.

 

وفي أي من الحالين سوف تجد إسرائيل نفسها في مواجهة مصر جديدة تماما، غير مصر السادات ومبارك.

 

ويبدو أن مشاعر القلق تجاه المستقبل، أخذت تستبد بأذهان قيادات الطبقة الحاكمة في إسرائيل..

 

ففي الأسبوع الماضي هرع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز إلى واشنطن، حيث اجتمع إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما.. وكان على جدول أعمال هذه القمة الثنائية بند واحد،.

 

وهو التطورات العاصفة المتلاحقة والمتسارعة في أرجاء العالم العربي، وتداعياتها المحتملة، مما يفرز تساؤلاً مصيريا من زاوية الرؤية الإسرائيلية:

 

هل هي بداية النهاية لعهد كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة؟

Email