التغيير ومستقبل وسائل الإعلام

ت + ت - الحجم الطبيعي

في ضوء زوبعة التغيير التي شهدتها في منتصف الشهر الماضي، بما في ذلك انتقال «هافنغتون بوست» إلى مكاتب «أميركا أون لاين»، بدا من المناسب أن أول مؤتمر دولي أحضره مع تيم ارمسترونغ الرئيس التنفيذي لــ«أميركا أون لاين»، كان بعنوان «قمة وسائل الإعلام المتغيرة»، في لندن برعاية صحيفة «غارديان» البريطانية.

يمكن أن يعتبر التغيير الآن بكل وضوح إما سلبياً أو إيجابياً، فالأمر يتوقف على مدى الارتياح الذي تشعر به حيال التغيير، وعدم القدرة على التنبؤ، والابتكار الانقطاعي. ويتفاعل بعض شركات الإعلام مع المشهد المتغير، من خلال التشبث بما هي عليه، والبعض الآخر عن طريق البناء. ونحن في المجموعة التي تشكلت حديثاً باسم «هافنغتون بوست ميديا غروب»، نتبنى بالتأكيد هذا النهج الأخير، لكن كان رائعاً أن المؤتمر ألقى الضوء على كلا النهجين.

وإلقاء نظرة على بعض الموضوعات التي جرت مناقشتها في جلسات عدة، يكشف لنا عن مزيج من القلق والإثارة في الأجواء:

- الإعلام متراجع، فكيف يمكننا أن نجعله يعمل لصالح الناشرين والمعلنين؟

- البحث أو التمويل أو أن نكون من المستقبل؟ من أين تأتي الفكرة الكبيرة المقبلة؟

- خوض التحديات الإبداعية والتجارية والتكنولوجية للعصر ما بعد الرقمي، بمعنى ما الذي ينجح وما الذي يفشل، وماذا بعد؟

- في عالم لا يحده سوى خيالك، كيف غيرت التقنيات الرقمية فهمنا للإبداع؟

في الواقع، تبين أن كل سؤال كان له الجواب نفسه، الذي كان يعتبر أيضا العطاء السريع الغالب في المؤتمر، والجواب هو أنه ليس هناك جواب واحد. ليس هناك حل سحري يضمن صحة نموذج الأعمال لأي شركة. لكن هناك على ما يبدو اتفاقاً عاماً على بعض العناصر الأساسية التي ستكون مقومات مطلوبة للنجاح في المستقبل، ألا وهي التجريب والابتكار والتعاون والانفتاح على التغيير.

ليس من المدهش أن واحداً من خطوط الانقسام الحقيقي في المؤتمر كان بشأن المواقع المدفوعة، مع إعلان صحيفة نيويورك تايمز الأميركية لتوها الخطوط العريضة لخطتها البيزنطية للاشتراكات الرقمية. وكما أظهر العديد من جلسات المؤتمر، فإن هناك ما وراء النقاش بشأن المواقع المدفوعة، حول الطريقة التي يمكن من خلالها تعريف مصطلحات معينة، مثل «صحافة» و«محتوى» و«قيمة».

 على سبيل المثال؛ كان «بول هايز»، المدير التجاري لوكالة روبرت مردوخ العالمية للأنباء، يجادل لصالح هذه المواقع المدفوعة التي جعلت الدخول على صحيفة «التايمز» اللندنية عبر أحدها مدفوعا منذ عام مضى. وقال «هايز»: «إن الشيء المثير للاهتمام هو كيف تقيم المحتوى لديك». وأضاف: «إننا نثق في نوعية الصحافة لدينا، لدرجة أنها تستحق أن تكون مدفوعة الأجر».

والافتراض الضمني هنا هو، أن من لا يضعون محتواهم ضمن هذه المواقع لا يقدرون هذا المحتوى. في الواقع، يمكن للمرء بالسهولة نفسها، وأكثر من ذلك بشكل صحيح في اعتقادي، القول، كما كنا في مجموعة «هافنغتون بوست»، إننا نثق في نوعية الصحافة لدينا لدرجة أنها تستحق أن تكون متاحة للجميع مجاناً بقدر الإمكان.

لكن الافتراضات الخاطئة التي طرحها «هايز» لا تتوقف عند هذا الحد، فقد أضاف القول: «سوف يدفع الناس من أجل الحصول على تحليل عميق ومحتوى بليغ، على خلاف محتوى معظم المدونين في مواقع المدونات. وتلك هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تستمر لتكون لديك صحافة».

من أين نبدأ؟ التأكيد على أن عالم الانترنت مقتصر على نحو ما، على المدونين ذوي العقول الضحلة والجهلاء، وأن الطباعة هي المجال الوحيد للحصول على «تحليل عميق»، وأن الصحافة الحقيقية تبدو قديمة قدم برج لندن الذي تمكنني رؤيته من خارج نافذة الفندق! في الواقع، كما أظهر المؤتمر مراراً وتكراراً، فإن أوجه التمييز بين المنصات مشوشة، وهي بصدد أن تصبح أكثر تشوشاً. ومحاولة فصل منصة عن الأخرى لن تكون وصفة للنجاح.

كل الفواصل من جميع الأنواع تتساقط، تلك التي بين الصحافيين والقراء، وبين المعلنين والمستهلكين، وبين المواطنين والناشطين. وهذا أمر طيب. الإبداع والابتكار سوف ينتجان ما يحافظ على وسائل الإعلام والمحتوى والصحافة، وليس الخطط المعقدة للمواقع المدفوعة.

على الجانب الآخر من المعادلة، قال «والان روزبريدغر»، رئيس تحرير صحيفة «غارديان»، على إحدى الصفحات الرسمية لموقع «تويتر»: «نحن بحاجة إلى أن نكون أكثر تطورا في تحديد ما هي الصحافة».

في الواقع، تزداد الأمور صعوبة في ما يتعلق بالفصل بين العناصر المختلفة للصحافة في صوامع متميزة. في هذه الأيام، كما يوضح «روزبريدغر»، تعني الصحافة «نقل التقارير وانتقاءها والربط والتجميع والتحرير، والتعاون وأن تكون جزءاً من هذا العالم من المعلومات، وهو ما يجعلها حرة».

إننا بالتأكيد لن نقيم أي صفحات مدفوعة الأجر على موقع «هافنغتون بوست». نعم، جانب الأعمال في وسائل الإعلام يتسم بأنه في حالة انتقالية، وهناك الكثير من التحديات، لكن هذا هو السبب في أن الأهمية تتزايد بشأن الاستفادة من مجموعة رائعة من أدوات الابتكار التي تنمو بشكل شبه يومي.

الاستجابة الخاطئة لهذا التحول هي أن تفصل نفسك عن الإمكانات الجديدة. وكما كتب «أندرو غريل» الاستراتيجي الرقمي، على صفحته في موقع تويتر من المؤتمر: «إذا كنت تعمل في إحدى وسائل الإعلام وكنت لا تعتقد أن العمل شيق، فلابد أن تغادرها، حسبما خلصت إحدى جلسات النقاش في المؤتمر».

 

Email