قراءة في تقرير الوظائف الأميركية

ت + ت - الحجم الطبيعي

حظيت أرقام الوظائف الأميركية بالإشادة، أخيراً، بوصفها تحمل خبراً ساراً، في ظل مبادرة أرباب الأعمال بإضافة أكثر من مئتي ألف وظيفة خلال الشهر الماضي، وتراجع معدل البطالة إلى ‬8,8٪. تم إعطاء اهتمام أقل إلى الجانب السلبي من هذه الأرقام. حيث يظل حجم البطالة السوداء عند مستوى نحو ضعف متوسط البطالة القومية، وهي ترتفع، ولا تتراجع.

ما الذي يجري في هذا الصدد؟ يعكس هذا، إلى حد ما، الأنماط القديمة، التي تتمثل في أي الأقليات تكون آخر من تحصل على وظائف وأول من يتم تسريحه، وآخر من يتم جلبه من العمالة وأول من يرحل.

ولكن الأمر يتعدى ذلك. فالسلالم التي يمكن من خلالها للأقليات الدؤوبة الصعود إلى الطبقة الوسطى يجري تفكيكها. مع الهجرة إلى الشمال بعد الحرب العالمية الثانية، تدفق الأميركيون من أصل إفريقي إلى المدن وسعوا بشغف إلى وظائف في قطاع الصناعات التحويلية الصاعد. لكن يواصل قطاع التصنيع الانخفاض منذ عقد التسعينات من القرن الماضي، في الوقت الذي بدأت الشركات في شحن وظائف جيدة أكثر من السلع في الخارج.

بعد ذلك سعى الأميركيون من أصول إفريقية من ذوي الانجازات التعليمية المتزايدة إلى التوظيف في القطاع العام، وبشكل خاص على مستوى الولاية والمحلي. وفي الوقت الذي تم فتح المجال أمام المزيد من الفرص المتساوية، فقد وجدوا فرص عمل، كمعلمين ومديرين وعمال في الصرف الصحي ورجال الشرطة ورجال إطفاء.

لكن تنتشر الآن حالات تسريح العاملين من موظفي القطاع العام، وتعتبر هذه الأقليات غالباً من يحظون بأقل أقدمية وأول من يرحل. وتدفق اللاتينيون والسود أيضاً إلى القطاعات السكنية، غير النقابية غالباً، والانشاءات، لكن هذه القطاعات لحق بها الدمار عندما انفجرت فقاعة الإسكان.

لقد كان هذا الركود الكبير بمثابة كساد كبير بالنسبة للشباب. وبعدما تكبدوا خسائر اقتصادية تقدر بتريليونات الدولارات في حسابات التقاعد وقيم المساكن، يكافح العمال الأكبر سناً من أجل التمسك بوظائفهم لفترة أطول. ومع النمو البطيء في الوظائف، فإن فرص العمل المتاحة للشباب أصبحت شحيحة.

مجدداً، في هذا المجال هناك فجوة عنصرية. فهناك أكثر من ‬40٪ من تعداد جميع الأميركيين من أصل أفريقي، الذين تتراوح أعمارهم بين ‬16 و‬19 سنة عاطلون عن العمل، مقارنة بـ‬21 من جميع الأميركيين البيض في تلك المرحلة العمرية. يشكل هذا، بدون شك، كارثة اجتماعية. يتم تخريج الشباب من المدرسة الثانوية أو الكلية ليحصلوا على أسوأ مستوى من الوظائف منذ ثلاثينات القرن الماضي.

وبدون وظائف، سوف يفقدون المهارات والانضباط والكرامة والأمل. يقول لنا خبراء الاقتصاد إن أولئك الذين تضيع منهم أشهر في البطالة غالبا ما يستغرقون سنوات للحاق بأقرانهم، إذا حصلوا على الوظائف. ويكمن تحت هذا كله إرث مستمر من التمييز في أميركا.

فلايزال الشباب الأفارقة الأميركيون يعانون من التمييز في فرص العمل غير المتكافئة من البداية. يولد الكثيرون منهم في براثن الفقر، وينشأون في بيوت مدمرة، ويعانون من عدم المساواة الوحشية التي تأتي من غياب البرامج في مرحلة ما قبل الروضة بأسعار معقولة في المدارس الحكومية التي تعاني نقص التمويل في محاولة للتكيف مع غياب المعلمين الجيدين الذين يفرون إلى الضواحي الغنية. كما يعاني سكان المناطق الحضرية أيضاً من ارتفاع تكاليف الوصول إلى النقل الجماعي ونقصها، مما يزيد الصعوبة في الحصول على وظائف قد تكون متاحة في الضواحي.

في واشنطن، تحول التركيز إلى خفض العجوزات، وليس لتوفير وظائف. مع بلوغ أسعار الفائدة ما يقارب الصفر، واستحواذ الشركات على تريليونات من الدولارات بانتظار العملاء، حتى ان المحافظين يجدون صعوبة في القول إن مبدأ «الخفض والنمو» يعطي ثماره. فهم يشيرون إلى أن الشركات لا توظف لأنها تشعر بالقلق من احتمال زيادة الضرائب في المستقبل أو بالإرباك بسبب اللوائح، أو عدم الثقة في المستقبل. وعلى الأرجح.

فهي ببساطة لا تجد عملاء، لأن هناك نحو ‬25 مليون شخص لا يزالون في حاجة إلى العمل بدوام كامل، والأجور لا تواكب ارتفاع تكاليف الغذاء والوقود، وتواصل قيم المنازل الانخفاض، ويستمر الأميركيون في اتباع أساليب تقشفية. تعد هذه حالة طوارئ وطنية.

ولا يمكننا أن نسمح للبطالة الجماعية أن تكون أمراً عادياً جديداً. فنحن لا نستطيع شطب جيل كامل. وفي ظل المعدل الحالي لجيل الوظائف، فسوف يستغرق الأمر ست سنوات لتعويض الوظائف التي فقدت في الكساد الكبير. لا يمكن للشباب الانتظار ست سنوات للحصول على عمل.

ولا يمكن للعاطل عن العمل لفترة طويلة الانتظار للوظائف لست سنوات. إننا بحاجة إلى لجنة وطنية للوظائف والشباب. ونحتاج إلى التركيز على الركود المدمر للطبقة المتوسطة الناشئة حديثا من السود وبث الأمل في صفوف الشباب. واذا لم يكن باستطاعة واشنطن الاستماع لهذا بعد، فعلينا أن نرفع أصواتنا ونطالبها بالإصغاء.

Email