مصر والسودان نحو شراكة استراتيجية

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل أصبحت العلاقة بين مصر والسودان مفتوحة على عهد جديد بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير المصرية؟

قبل نحو أسبوعين قام رئيس الوزراء المصري عصام شرف بزيارة رسمية إلى السودان، وقبل ذلك استقبلت القاهرة رسميا الرئيس السوداني عمر البشير. والإجابة عن السؤال المطروح يعكسها مغزى هاتين الزيارتين وتوقيتهما، إذ هما تأتيان في سياق انتصار ثورة الشعب المصرية وسقوط نظام الرئيس حسني مبارك.. خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن زيارة رئيس الحكومة عصام شرف، هي أول زيارة خارجية له منذ تولي منصبه، وأن الرئيس السوداني هو أول رئيس دولة عربي يزور مصر في عهدها الجديد.

على مدى عقود زمنية متصلة، ظلت العلاقة بين البلدين الشقيقين أسيرة رؤية أمنية ثابتة من الجانب المصري، على حساب رؤى التعاون الاقتصادي على المستوى الاستراتيجي، ولكن محتوى البيان المشترك الصادر في الخرطوم في ختام زيارة رئيس الوزراء المصري، ربما يعكس مقاربة مصرية جديدة تماما، ومتحررة من الرؤية الأمنية الضيقة، انطلاقا نحو مجالات أرحب للتعاون الاستراتيجي، على أساس مبدأ تبادل المصالح من ناحية، وتخطيط العمل المشترك على ساحة التحرك الخارجي.

هناك قضايا أساسية محددة للتعاون والعمل، على الصعيد الثنائي والصعيد الإقليمي والصعيد الدولي.

على الجانب الثنائي؛ هناك مستقبل جنوب السودان وكيفية تعامل الطرفين مع دولة الجنوب المستقلة، التي ستولد قريبا في يوليو المقبل، وإذا كان ما يهم الطرف السوداني بالدرجة الأولى هو الاستقرار في الدولة الجنوبية، بحيث ينتفي احتمال تجدد اشتعال الحرب مع الشمال، فإن ما يهم الجانبين السوداني والمصري معا هو قسمة مياه النيل. فالدولة الجنوبية المرتقبة سوف تنضم كعضو جديد إلى منظومة دول حوض النيل.. وتحديدا دول المنبع. وبقدر ما تحتاج مصر إلى دعم السودان في مواجهة أي قسمة للمياه قد تنعكس سلبا على الحصة المصرية، فإنها تحتاج أيضاً إلى دعم مماثل من الدولة الجنوبية.

ومن بين القضايا الثنائية الهامة، مشكلة إقليم حلايب الذي يقع داخل الأراضي السودانية محاذيا للخط الحدودي الشمالي الشرقي مع مصر، فقد ظلت الحكومات المصرية المتعاقبة تؤكد على أن هذا الإقليم خاضع للسيادة المصرية، بينما في الوقت نفسه ترفض نقل النزاع إلى التحكيم الدولي.

في مجال التعاون الاقتصادي التنموي، وضعت خطط طموحة بعيدة المدى تشتمل على مشروعات زراعية لتحقيق الأمن الغذائي للشعبين، لكن لم ينفذ منها شيء، إما بسبب أزمات سياسية بين الدولتين ظلت تنشب من حين لآخر، أو لإصرار القاهرة على أولوية المسائل الأمنية.

على الصعيد الإقليمي؛ هناك حاجة ماسة إلى توحيد العمل الدبلوماسي والأمني تجاه دول الجوار الجغرافي، وأبرز القضايا في هذا السياق مسألة توزيع مياه النيل، حيث تجد كل من مصر والسودان أنهما يتشاركان الركوب في قارب واحد، بالنظر إلى أن إثيوبيا تتزعم تكتلا لدول المنبع في حوض النيل، موجها ضد مصر والسودان باعتبارهما دولتي المصب. وما لم تتوحد الجهود المصرية والسودانية في وجه إثيوبيا والكتلة المناوئة التي تقودها، فإن الدولتين ـ وخاصة مصر ـ ستكونان مهددتين بخسارة مائية فادحة.

ومن أهم دول الجوار الأخرى دولة تشاد المحاذية للحدود السودانية، ذلك أن مستقبل الاستقرار في إقليم دارفور السوداني الغربي، يعتمد على نواياها ورؤيتها الاستراتيجية تجاه الحركات المسلحة الدارفورية، وهنا يحتاج السودان إلى دعم قوي من مصر.

الدولتان تتشاركان حدودا مع ليبيا، لكن أيا منهما لن تستطيع حاليا رسم سياسة ثابتة تجاه الوقع في ليبيا، قبل أن ينتهي الصراع الدموي الراهن حول السلطة والحكم، لكن في كل الأحوال ينبغي أن تقيم الدولتان آلية للتنسيق السياسي والدبلوماسي بينهما تجاه ليبيا.

أما على الصعيد الدولي؛ فإن مصر والسودان بحاجة إلى تنسيق أكبر وأشمل تجاه الولايات المتحدة وطريقة التعامل معها في مسائل منطقة الشرق الأوسط، في ضوء التغيير الجاري في القاهرة.

في جميع الأحوال، يمكن القول إن مصر والسودان أصبحتا اليوم منفتحتين على شراكة استراتيجية.

 

Email