ما الذي تفعله باكستان لأميركا؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ ‬2001، قدمت الولايات المتحدة لباكستان مساعدات لا تقل قيمتها عن ‬22 مليار دولار، لذا فلا بد للأميركيين أن يتوقعوا شيئاً في المقابل. ونتحدث هنا عن أموال طائلة تكفي لحل مشكلة العجز المزمن في ميزانية كاليفورنيا، أو تغطية ميزانية ميسوري لسنة كاملة. وفي كاليفورنيا وميسوري، من شأن تلك الأموال أن تنفق على بناء الطرق والمدارس، وعلى الرعاية الصحية وسلطات تطبيق القانون وغيرها. لكن في باكستان، ما الذي حققته واشنطن؟ حسناً، من بين الأشياء التي حققتها إتخام جيوب كبار الساسة والقادة العسكريين بملايين، إذا لم نقل مليارات الدولارات. وعندما يطلب المدققون الماليون الغربيون الاطلاع على دفاتر الحسابات، يهبّ الباكستانيون للتعبير عن استيائهم من هذا «الإذلال»، ويقولون، كما فعل أحدهم السنة الماضية، «أنتم تعاملوننا كالخدم«!

وبعد أن يئست الولايات المتحدة من إيجاد حل لمشكلة سرقة المساعدات الأميركية في باكستان، عمدت قبل بضعة أشهر إلى الاستعانة بمنظمة الشفافية الدولية، وهي منظمة ألمانية متخصصة في مكافحة الفساد، لإيجاد «خط ساخن لمكافحة الاحتيال». ومنذ تشغيل هذه الخدمة في ديسمبر الماضي، قدم المتصلون دلائل مادية ملموسة على العديد من جرائم الاحتيال، وفجأة بدأ مسلحون باكستانيون بالتهديد بقتل مدير المكتب، سيد عادل جيلاني، الذي لم يجد مناصاً من الفرار من باكستان.

دعونا نواجه الحقيقة؛ الباكستانيون يكرهون الأميركيين. انظروا إلى مقاول «السي آي إيه» ريموند ديفيس، الذي يقبع في ظروف مزرية في سجن باكستاني منذ أكثر من شهر، لقيامه بإطلاق النار على شخصين حاولا سرقته في الشارع. والآن لا يجرؤ المسؤولون القضائيون ولا الحكوميون على إطلاق سراحه، خشية تعرضهم للاستهداف بالاغتيال، كما حدث لمسؤولين حكوميين قتلا في وقت سابق هذه السنة، لأنهما أبديا أفكاراً ليبرالية «غربية». وقد أظهر استطلاع حديث للرأي أن ‬21٪ فقط من الباكستانيين، يكنون قليلا من الاحترام للولايات المتحدة.

ما الذي تفعله باكستان للولايات المتحدة؟

معظم الـ‬22 مليار دولار التي أهدتها أميركا لباكستان، كان يفترض أن تذهب لتدريب وتجهيز الباكستانيين لملاحقة عناصر القاعدة في شمال وزيرستان. حسناَ، مضى الآن نحو عشرة أعوام، ولا تزال القاعدة تسرح وتمرح هناك. لقد استخدم المسؤولون الباكستانيون الأموال التي سرقوها، لتحديث قواتهم المسلحة لتكون أفضل جاهزية واستعداداً لمواجهة الهند في حال نشوب حرب بينهما، وهو أمر بعيد الاحتمال، زاعمين أن كل تلك الدبابات القتالية والطائرات المقاتلة من طراز إف-‬16، سوف تستخدم ضد القاعدة.

والعجيب حقاً أن البنتاغون سايرهم في هذا كله، لخوفه من جرح مشاعر «حلفائه»، إذ يشير تقرير صادر عن هيئة أبحاث الكونغرس، إلى أن «وزارة الدفاع اعتبرت أن مقاتلات إف-‬16 وطائرات بي ‬3- سي والقذائف المضادة للدروع، تمتلك تطبيقات مهمة في مهام محاربة الإرهاب». هل يعقل هذا الكلام؟ قذائف مضادة للدروع؟ كم دبابة تملك القاعدة؟

قبل فترة ليست بعيدة، عندما كشفت معلومات استخباراتية أميركية فجأة عن لحظة سانحة نادرة لضرب قادة كبار في تنظيم القاعدة، قال الباكستانيون إنهم لن يستطيعوا القيام بالمهمة «بسبب نقص تجهيزات مكافحة التمرد»، بحسب تقرير للكونغرس. فهل ثمة دليل أقوى من هذا على المليارات الأميركية المهدورة في باكستان؟

لقد تمكنت الولايات المتحدة من قتل بعض مسلحي القاعدة، بالصواريخ التي تطلق من طائرات تحلق بدون طيار، وغالباً ما كانت المعلومات الاستخباراتية التمهيدية لتلك الضربات تأتي من باكستان. لكن في الشهر الماضي، عمدت وكالة الاستخبارات الباكستانية، المستاءة من قضية ديفيس، إلى تعليق كل أشكال التعاون الاستخباراتي مع الأميركيين. ومنذ ذلك الحين لم تطلق الولايات المتحدة صاروخا واحدا ضد أهداف للقاعدة.

ما الذي تفعله باكستان للولايات المتحدة؟

إدارة أوباما بصدد تجريب مقاربة جديدة الآن، تتمثل في إنفاق ‬7,5 مليارات دولار على شكل مساعدات إنسانية تقدم لباكستان للتنمية الاقتصادية، من أجل كسب القلوب والعقول هناك. ومنذ البداية واجه أوباما صعوبة في إقناع الكونغرس بالموافقة على هذا الاقتراح، فالمسلحون الباكستانيون ينعتون السفارة الأميركية في إسلام أباد بـ«قلعة الصليبيين». وقد تبين الآن أن باكستان تعرضت لفيضانات مدمرة السنة الماضية، والولايات المتحدة ضخت معظم مواردها الجديدة لإرسال المساعدات إلى ضحايا الفيضانات، لكن حتى هذه الأموال سرق معظمها. وتلك المعلومات جاءت عبر الخط الساخن الجديد لشكاوى الفساد والاحتيال. وتلقفت وسائل الإعلام الباكستانية الخبر بحماس كبير، فكانت النتيجة إقالة مدير عام إدارة الكوارث في إحدى الولايات.

وبالنظر إلى ظاهرة السرقة المتفشية بشكل كبير في باكستان، تجادلت كل من الوكالة الأميركية للتنمية ووزارة الخارجية الأميركية، حول أفضل السبل لتوزيع مساعدات التنمية الجديدة. فقد أرادت الخارجية استخدام المقاربة الجديدة الغامضة، القائمة على إعطاء الأموال مباشرة إلى الحكومة، من أجل «تمكين قادة البلد»، بحسب اللغة الاصطلاحية المبهمة المعتمدة في قاموس المساعدات.

كم هو مضحك هذا الكلام؟ أموال المساعدات لن تذهب «لتمكين قادة البلد»، بل «لإثراء قادة البلد». وفي النهاية وصل الطرفان إلى حل وسط يقضي بإنفاق نصف مبلغ المساعدات عبر المجموعات غير الحكومية، على أن يوضع النصف الثاني مباشرة في أيدي المسؤولين الحكوميين الممدودة.

ما الذي تفعله باكستان للولايات المتحدة؟ إنهم يسرقون أموالنا، يهددون مواطنينا ويحبسونهم، يشعرون بكراهيتنا ويستغلوننا. فلماذا لم يستطع أحد في واشنطن أن يدرك هذا إلى الآن؟

 

 

Email