العرب والغرب وحركة التغيير الديمقراطي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كمجموعة أو كدول منفردة.. جميعهم أبدوا ترحيبا لافتا برياح التغيير الديمقراطي التي هبت وتهب على العالم العربي. وذهبوا جميعا أبعد من ذلك فبذلوا وعودا علنية بدعم حركة التغيير. ولم يخل الأمر من مشاهد مثيرة. فقد أصرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون على أن يتضمن برنامج زيارتها الرسمية لمصر لقاء مع قيادات ائتلاف شباب ثورة «‬25 يناير» وأن يكون مكان اللقاء ميدان التحرير الذي انطلقت منه الثورة فصار رمزا تاريخيا لها.

مع ذلك يبقى سؤال لا يصح أن نغفل عنه ألا وهو: هل ينطوي هذا الترحيب الغربي على مصداقية جادة؟

هناك شكوك تتعلق بصفحة الماضي وأخرى تتعلق بالمستقبل المنظور.

منذ الشرارة الأولى لاندلاع ثورة الشباب في مصر وحتى اللحظة التي أعلن فيها تخلي الرئيس مبارك عن منصبه الرئاسي اتخذت الحكومات الغربية موقفا عدائيا تجاه فورة الشارع العارمة. ولم تعدل عن هذا الموقف إلا بعد أن استوثقت من أن التيار الثوري تجاوز نقطة اللاعودة بما يفيد أن أجل النظام الحاكم داخل مرحلة العد التنازلي. ولم يكن موقف التحيز للنظام ورئيسه موقفا بلا منطق. فالدعم الغربي لنظام الرئيس مبارك تواصل على مدى أكثر من ثلاثين عاما.

الآن ومع هبوب رياح التغيير في أنحاء العالم العربي يتعين على الغرب أن يثبت للشعوب العربية بالأفعال لا مجرد الأقوال إنه يحترم توجه الإرادة الشعبية العربية نحو الديمقراطية الليبرالية مستفيدا من عبرة الماضي.

على هذا المنوال هناك أجندة محددة ينبغي على مجموعة الدول الغربية أن نتبناها إيذانا بإجراء تغيير هيكلي وجذري في سياسات الغرب نحو العالم العربي على كافة الأصعدة.

في مقدمة هذه الأجندة علاقة الغرب مع إسرائيل. لقد ظلت هذه العلاقة قائمة على مرتكزين أساسيين: أولا: أن التعامل الغربي إزاء الصراع العربي - الإسرائيلي ينطلق من التزام غربي ثابت باعتبارات أمن إسرائيل على حساب الحقوق العربية. وثانيا: أنه من أجل الإبقاء على الدولة الإسرائيلية كقوة إقليمية متفوقة في منطقة الشرق الأوسط تفضل المجموعة الغربية التحالف مع أنظمة استبدادية عربية لا تتمتع بسند شعبي قوي.

إن مثل هذا الوضع لن تقبل به حكومة عربية منتخبة تخضع لنظام ديمقراطي تتحكم في تسييره آليات المراقبة والمساءلة والمحاسبة الشعبية وتتوفر فيه الحريات المدنية. وفي هذا السياق يجب ألا نستبعد على سبيل المثال أن يقرر رئيس الجمهورية المستقبلي في مصر عرض معاهدة السلام المصرية ــ الإسرائيلية (كامب ديفيد) على استفتاء عام من قبيل تفعيل قيم النظام الديمقراطي الجديد. ولو حدث مثل هذا فسيكون اختبارا لمدى احترام الغرب للإرادة الشعبية العربية الحرة.

لقد سبق في هذا الصدد أن أيدت الدول الغربية التوافق الفلسطيني على تبني النهج الديمقراطي لكنها سرعان ما تنكرت له علنا عندما أثبتت تجربة انتخابية حرة انتصارا كاسحا لحركة «حماس» على «فتح» والفصائل الأخرى الأمر الذي يدعو إلى التشكك في نوايا الغرب تجاه العمليات الانتخابية المستقبلية في العالم العربي إذا جاءت في ظل ديمقراطيات حرة ببرلمانات ورؤساء لا تخضع للأجندة الأوروبية والأميركية.

واستطرادا من هذه الملاحظة تريد قيادات التجديد الديمقراطي الصاعدة في العالم العربي أن تعرف ما إذا كانت دول الغرب ستواصل عداءها للإسلام والجماعات ذات التوجه الإسلامي. بموجب التغيير الديمقراطي فإن الشعب هو وحده الذي يقرر بإرادته من خلال مبدأ الحرية وعبر صناديق الاقتراع تأييد أو عزل تنظيم سياسي ما بما في ذلك التنظيمات الإسلامية وغيرها. ومرة أخرى فإن على الدول الغربية أن تحترم إرادة الشعب إذا كانت حقا تلتزم بالقيم السامية للنظام الديمقراطي.

هناك أيضا اختبار الصدقية الاقتصادية. في هذا السياق الفرعي صدرت عن القيادات السياسية في العواصم الغربية وعود وتعهدات بدعم اقتصادي لدول عربية من قبيل مساندة تيار التغيير الديمقراطي.

والنجاح في هذا الاختبار يقتضي أولا ما إذا كانت الدول الغربية على استعداد لشطب الديون الضخمة التي تمنع اقتصاد عدد من الدول العربية من الانطلاق.. وعلى استعداد أيضا لتمويل مشاريع تنموية واسعة النطاق لا الاقتصار على قروض متواضعة ووقتية واستهلاكية.

الشكوك إذن تبقى قائمة لحين إشعار آخر يفيد بأن الغرب يتعامل مع حركة التغيير الديمقراطي العربي لا من منظور المصالح الغربية وأمن إسرائيل وإنما من منظور المبادئ والقيم العليا التي تدعى مجموعة دول الغرب وصاية عالمية عليها.

Email