الانتخابات المصرية والتعجيل بالاستقرار

ت + ت - الحجم الطبيعي

للمرة الأولى في التاريخ، صوّت المصريون أخيراً في استفتاء نزيه وحر تماماً. وبينما يحتفل المصريون بهذا الإنجاز التاريخي، فإن الأكاديميين ونشطاء حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، يرفعون أصواتهم بالجدل المحتدم.

فقد أعرب «روبرت سبرنغبورغ»، الأستاذ في كلية الدراسات العليا البحرية الأميركية، عن أسفه خلال كلمته التي ألقاها في مؤتمر مجلس الشؤون الدولية، قائلاً: «ليس هناك ما يكفي من الوقت للأحزاب التي لم تكن موجودة من قبل»، لتنظيم صفوفها قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة. وأضاف «هذه هي المرة الأولى بالفعل التي يتفق فيها الإخوان المسلمون وحزب الرئيس المصري السابق حسني مبارك، على شيء، وهو إجراء انتخابات سريعة».

أدلى نحو ‬18 مليون مصري متحمس بأصواتهم في الاستفتاء على التعديلات الدستورية، لتحقيق الإصلاحات السياسية والانتخابات السريعة، ووافقوا عليها بأغلبية ساحقة. ومن المقرر أن تجري الانتخابات البرلمانية في شهر يونيو المقبل، أي بعد ثلاثة أشهر من الآن، وسوف يبدأ السباق نحو الانتخابات الرئاسية بعده في أغسطس.

يكمن أساس الشكاوى، المشتركة بين ‬23٪ من المصريين الذين أدلوا بأصواتهم، في هذا الجدول الزمني السريع. النقطة التي يثيرها «سبرنغبورغ» هي أن جماعة الإخوان المسلمين تأسست قبل ‬80 سنة، وتتسم من الناحية البيروقراطية، بأنها منظمة بشكل جيد، على الرغم من أنها مستغرقة في مناقشات جوهرية حول ما الذي تمثله حقاً في الوقت الراهن. ويصدق الشيء نفسه بالنسبة للأعضاء القليلين المتبقين من الحزب الوطني الديمقراطي، الذي تولى رئاسته الرئيس المصري السابق حسني مبارك. فهم يعرفون كيفية إدارة الانتخابات، رغم أن المتظاهرين أضرموا النيران في مقار للحزب في الشهر الماضي. ويذهب طرحه إلى القول إن المرشحين الديمقراطيين المحتملين الآخرين، قضوا معظم حياتهم في الاختباء أو داخل السجون، فكيف يمكنهم تنظيم حزب سياسي فاعل في غضون ثلاثة أشهر فقط؟

وكما أشارت افتتاحية لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، مؤخراً: «هذا النهج يفيد المجموعات الأفضل تنظيما اليوم، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين.. وبقايا الحزب الوطني الديمقراطي السابق».

إنني أختلف مع هذا الطرح، حيث أنه يفترض أن المصريين جميعاً صم وبكم وعمي. نعم، لقد تواجد الإخوان المسلمون على الساحة منذ عام ‬1928. لذلك ألا تعتقدون أن كل فرد في الشعب المصري يعلم بالضبط من هم الإخوان وماذا يمثلون؟ وتمكنت الجماعة، لفترة طويلة جداً، من اجتذاب تأييد أقل من ‬20٪ من الشعب المصري، فلماذا هذا التغيير على نحو مفاجئ الآن؟

أما بالنسبة للحزب الوطني، فإن الانتفاضة أو «الثورة» كما يسميها المصريون الآن، تتعلق بإقصاء مبارك وأتباعه من السلطة. في الآونة الأخيرة، أجبر المتظاهرون الحكومة الانتقالية العسكرية على طرد باقي المسؤولين من الحزب الوطني خارج الساحة. فهل هم هؤلاء الناس أنفسهم الذين سوف يقبلون على صناديق الاقتراع الآن، ويصوتون من أجل إعادة أتباع مبارك إلى السلطة مرة أخرى؟ هذا الأمر مستحيل بأي حال من الأحوال.

الأمر الواقعي، هو أن المرشحين الجدد ليس لديهم الكثير من الوقت لتنظيم أحزاب سياسية. لكنني أتوقع أن معظم الناخبين الذين سيتوجهون إلى صناديق الاقتراع في يونيو المقبل، سوف يغضون الطرف عن أي شيء آخر، ويختارون أي شخص لا ينتمي إلى الحزب الوطني أو الإخوان المسلمين.

لدى الجيش المصري أسبابه الخاصة للتعجيل بالانتخابات، على أساس مصلحته الذاتية، وأنا واثق من ذلك. ولكن ينبغي على المصريين أن تكون لديهم الرغبة في إبعاد الجيش عن الجناح الرئاسي في أقرب وقت ممكن، لأنه لا يزال يتصرف مثل أدوات يستعين بها الدكتاتور لفرض إرادته. في وقت سابق من الشهر الجاري، أصدر الجيش قراراً بأنه لا يريد الخيام التي بقيت في ميدان التحرير، الذي يعتبر المنزل الرمزي للانتفاضة. لذلك فقد اقتحم الجنود الميدان ذات ليلة، ومزقوا الخيام وضربوا المتظاهرين الذين كانوا يقيمون فيه. وهناك نحو مئتي شخص تقريباً تم اقتيادهم إلى سجن عسكري لاستجوابهم.. حول ماذا؟

تشير منظمة «هيومن رايتس ووتش» إلى أن الجيش لا يزال يمارس العنف ضد السجناء، وهم المواطنون المصريون. وقالت المنظمة في تقرير لها صدر حديثاً: «إن أربعة أشخاص كان قد تم اعتقالهم على يد الجيش في التاسع من مارس، قالوا لهيومن رايتس ووتش إن خاطفيهم قاموا بتكبيل أيديهم وضربهم بأسلاك كهربائية وبالعصي والأنابيب المعدنية». وأضاف التقرير: «إن اثنين من الأشخاص الأربعة كانوا قد تعرضوا للصدمات بأجهزة الصعق الكهربائي مراراً وتكراراً».

بأي مبرر يحدث هذا؟ ما هو التهديد المحتمل الذي يشكله الشعب المصري للدولة، وهي في الطريق إلى انتخابات حرة؟ من هي الجهة التي يعتقد الجيش أنه يحميها الآن؟ الأمر بالنسبة للجيش، على الأرجح، مجرد عادة سيئة. ما هو الشيء الآخر الذي يتعين عليهم القيام به؟

بالنسبة لي، يعد هذا سبباً كافياً للتحرك بسرعة وتنصيب حكومة يمكنها القيام بكتابة دستور جديد، على أمل إعادة الجيش إلى موقعه الصحيح.

لقد سألني «دانيال ويليامز»، أحد كبار الباحثين لدى «هيومن رايتس ووتش» في مصر: هل يمكن للجيش، الذي يعتبر مؤسسة ابتكرت مصر الاستبدادية، أن يثق بها أحد في تنظيم حكومة جديدة غير سلطوية؟ والإجابة بالطبع تكون بــ «لا»، وهو مبرر آخر للتحرك بسرعة والسماح للشعب المصري بأن يقرر.

Email