الغائب الكبير في الشرق الأوسط

ت + ت - الحجم الطبيعي

ربما يتعاطى زعماء تنظيم القاعدة القابعون داخل كهوفهم الفاليوم الآن، إن لم يكن شيئاً أقوى تأثيراً، ويبدون، وهم يتابعون الثورات المنتشرة في الشرق الأوسط، مثل الحمقى.

وتعد نقطة المفارقة الأكثر وضوحاً هي ما حدث في مصر، حيث أنجز ألوف الشباب هناك في غضون بضعة أسابيع، ملحمة فذة لطالما سعى تنظيم القاعدة عبثاً إلى إنجازها على مدار ‬20 عاماً، إلا وهي الإطاحة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك. غير أن الأسوأ من ذلك هو أن العالم العربي، الذي تزعم القاعدة أنه بمثابة المضمار الرئيسي لها، يرفض بشكل قاطع مجمل الأفكار التي تتبناها المجموعة وحاولت أن تفرضها منذ تأسيسها في عام ‬1988.

يراقب هؤلاء الإرهابيون المتقهقرون حتى الآن، أبناء الجيل الصاعد، وهم الناس أنفسهم الذين كانوا يتمنون الانقضاض عليهم يوما ما بسترات أحزمة ناسفة، يرفعون قبضاتهم عالياً ويطالبون بالحرية والديمقراطية. ومنذ زمن ليس ببعيد، أفصح أيمن الظواهري، وهو القيادي الثاني البارز في تنظيم القاعدة، عن وجهة نظره بأن البديل الوحيد الممكن لنظام مبارك كان إقامة «دولة إسلامية».

من المؤكد أن الظواهري وأسامة بن لادن كانا يتابعان قناة الجزيرة، كأي شخص آخر في المنطقة وخارجها. وبالتأكيد لاحظا المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية فقط، ولكن أيضاً أن من بينهم من كانت تتعالى صيحاتهن وهتافاتهن تماما مثل كل شخص آخر، وهن الألوف والألوف المؤلفة من النساء!

تشكل تنظيم القاعدة في خضم الركود الثقافي والاقتصادي في العالم العربي، وهي الحالة التي تغذى التنظيم عليها. فقد سقط فتية صغار السن لا يحدوهم أمل في المستقبل، فريسة سهلة لذوي الألسن المعسولة من المتحدثين، الذين غرروا بهؤلاء الفتية لقبول العنف والقتل أداتين للحركة السياسية.

الآن، فإننا نرى أن هذا ليس ما يعتمده هؤلاء الشباب. فهم يريدون العدالة الاجتماعية، ويأملون في الازدهار. ويبقى أن ننتظر لكي نرى ما إذا كان المواطنون في كل من مصر وليبيا وتونس ودول أخرى، يخوضون تجربة حقيقية للديمقراطية.

في جميع هذه الدول، تظل الأوضاع غير مستقرة على نحو خطير. لكن وسط المتظاهرين، هل سمعتم أحداً يهتف لأسامة بن لادن أو أي من أتباعه؟ في خضم كل هذا، ظلوا مختفين عن الأنظار.

في بلد واحد فقط، وهو اليمن، تردد بعض الهتافات التي تعكس التطرف. وتعد اليمن شديدة التشبع بالمتطرفين لدرجة أنها، أكثر من أي دولة أخرى تتم منافستها في الوقت الراهن، يبدو من المرجح أنها قد تسقط في أيد شريرة.

إن النهج الفظ الذي يتبعه تنظيم القاعدة حيال الانتفاضات، يساعد الآن على التأكيد على أنه لا توجد دول أخرى ستسقط في قبضتها. هل سمعتم كلمة واحدة من بن لادن بشأن الاحتجاجات، التي تعتبر الحدث التاريخي الأبرز في هذه المنطقة من العالم على امتداد الأجيال؟ ثم إن هناك الظواهري، الذي لم يكن لديه سوى القليل كي يقوله. إن الوصف الأكثر تسامحا لوضعهما، هو أنه وضع مثير للإحراج.

في أواخر الشهر الماضي، ألقى الظواهري خطبة مدتها نصف ساعة، انتقد فيها جمال مبارك، نجل الرئيس المصري السابق، الذي وصفه بأنه «الزعيم المرتقب»، وذلك بعد أسبوعين من مغادرة مبارك وابنه القاهرة. ولكي يتضح قدر ابتعاده عن الواقع العملي، اشتكى الظواهري بشدة من نابليون بونابرت، الذي وصفه بأنه أكبر شرير شهدته مصر. بطبيعة الحال، كان ذلك منذ أكثر من مئتي عام مضت.

كما اتهم الظواهري بعض الأقباط في مصر ببذر بذور الخلاف، غير مدرك على ما يبدو أن المتظاهرين من المسيحيين والمسلمين قد ضربوا نموذجاً شديد التميز للعمل المشترك. فهل استطاع تنظيم القاعدة تنفير المزيد من قادة المنطقة المستقبليين؟ حسنا، الجواب هو نعم.

كذلك انتقد الظواهري بشدة الديمقراطية، التي تعتبر هدف هؤلاء الشباب في جميع أنحاء المنطقة. أصدر تنظيم القاعدة في العراق بياناً يحذر فيه العرب، ويدعوهم إلى أن يكونوا «يقظين إزاء حيل الأيديولوجيات من قبيل العلمانية القذرة والشريرة، والديمقراطية الملحدة، والوطنية والقومية الوثنيتين». ويقيناً أن جميع الشباب العربي ممن سمعوا هذا الكلام، قد شعروا بغيض من مشاعر الرفض لهذا كله.

وكما لو أن كل ذلك ليس محرجاً بما يكفي، فعندما وصل المتظاهرون في ليبيا في البداية إلى أبواب طرابلس، مهددين على نحو خطير سلطة معمر القذافي، فمن الذي وجه القذافي إليه اللوم؟ لم يصف الثورة بأنها مؤامرة صهيونية كبرى، كما أنه لم ينتقد الأميركيين الغادرين.. لم يفعل أي شيء من هذا، بل وجه القذافي اتهامه إلى تنظيم القاعدة، قائلاً إن أتباع بن لادن قاموا بتخدير شعبه وأطلقوهم ليطاردونه.

لقد كان هذا، بطبيعة الحال، أمراً سخيفاً. ومع ذلك، فإن لجوء القذافي إلى اختيار كبش الفداء جاء في وقته، وكاشفاً للعديد من الناس الحقائق والمؤشرات.

 

Email