أميركا والنموذج الثوري المصري

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو أن «القاهرة أتت إلى ماديسون، على حد تعبير النائب الجمهوري المحافظ «بول ريان»، حيث اعتلى خمسون ألف مواطن مبنى الكابيتول في الولاية. لقد تفهم «ريان» الروح على الوجه الصحيح، لكن أخطأ فيما يتعلق بالمكان. في ماديسون، يقف الناس الذين يرتدون ملابس العتالين، جنباً إلى جنب مع الذين يرتدون ملابس بألوان الدببة. تعتبر ماديسون هي «سِلما» هذا الجيل، قلب المعركة الحديثة من أجل حقوق الإنسان الأساسية.

في عام ‬1965، توقفت حملة من أجل حقوق الانتخاب الأساسية في مجلس الشيوخ الأميركي. ودفع الرئيس الأميركي وقتها «جونسون» الزعيم الأسود مارتن لوثر كينغ إلى إيقاف التظاهر. وبدلاً من ذلك ذهب الدكتور كينغ إلى سِلما. لم تكن سِلما مدينة كبيرة، ولكنها كانت بمثابة مرآة تعكس حالة أميركا.

 هناك، في يوم الأحد الدامي، تمت مواجهة المتظاهرين المسالمين بالكلاب وخراطيم المياه، ومست ضمير الأمة. وبعد ذلك بيومين، تقدم الرئيس جونسون بمشروع حقوق الانتخاب، من خلال إطلاق عبارته الشهيرة: «سوف ننتصر». وبعد مرور خمسة أشهر تم التوقيع عليه ليصبح قانونا.

اليوم، يتزايد الاعتداء على الحقوق الأساسية. والانهيار الاقتصادي الناجم عن الوثبات من وول ستريت يزعزع استقرار الميزانيات العامة على كل المستويات، كما تنخفض إيرادات الضرائب والنفقات الناجمة عن ارتفاع معدلات البطالة، إلا أنه يتم إنقاذ وول ستريت، ويتم تقليص رواتب الطبقة العاملة والفقيرة لدفع ثمن التخلص من آثار الفوضى التي أحدثها وول ستريت.

استغل المحافظون على امتداد الولايات الأميركية هذه المناسبة للهجوم على العاملين في القطاع العام ونقاباتهم. وهم لا يطلبون تخفيض الأجور والاستحقاقات فحسب، بل يريدون أيضاً تمرير القوانين لشلّ، إن لم يكن حظر، نقابات موظفي القطاع العام، القضاء على حق العمال في التنظيم والمفاوضة الجماعية.

يقود «سكوت ووكر» حاكم ولاية وسكونسن، الذي يصف نفسه بأنه حاكم من «حزب الشاي»، معظم هذه الجهود. بحلول موعد الانتخابات، وقّع على إنفاق الملايين على قانون يسقط ملايين الدولارات من الحصيلة الضريبية لصالح الأعمال التجارية. بعد ذلك، أشار إلى أزمة الميزانية، وطالب ليس فقط بتنازلات حادة من جانب العاملين في القطاع العام، تشمل زيادات هائلة فيما يدفعونه من معاشات تقاعد ورعاية صحية، ولكن أيضا بتحجيم حدود حقهم في التفاوض، وحدود أي زيادات في الأجور والتصويت السنوي ليرى ما اذا كانت النقابات سوف تظل باقي. كما لو أنه يتباهى بقبضته على السلطة، فقد أعفى النقابات، خاصة نقابات الشرطة ورجال الإطفاء، الذين صوتوا لصالحه في الانتخابات.

يعد الحق في التنظيم والمفاوضة الجماعية والإضراب ضمن حقوق الإنسان الأساسية المنصوص عليها في القانون الدولي. حتى يومنا هذا، تشجع الولايات المتحدة إنشاء نقابات العمال الحرة المستقلة في جميع أنحاء العالم، برغم من مساعي «ووكر» وأمثاله للقضاء عليها في الداخل. في ظل معاناة أميركا من عدم المساواة الأكثر تطرفاً من مصر، وقرار المحكمة العليا فيما يتعلق بقانون المواطنون المتحدون الذي يمنح الشركات والمليارديرات حقاً مجانياً بتشويه انتخاباتنا، فإن النقابات تعد تقريبا المنصة الوحيدة التي يمتلكها العمال. ولهذا السبب فقد استهدف اليمينيون النقابات، وهذا هو السبب في أن كل مواطن له مصلحة في بقائها.

في وسكونسن، قبل الموظفون العموميون التنازلات القاسية التي طالب بها الحاكم، لكنهم رفضوا الاعتداء على حقوقهم الأساسية. وقف المعلمون والممرضون وغيرهم من عمال القطاع العام صامدين. رحل النواب الديمقراطيون عن الولاية، وعرقلوا الجهود الرامية إلى الدفع بتطبيق التشريع. واحتشد الطلاب والوزراء والتقدميون إلى جانبهم. وتدخل المظاهرات الآن أسبوعها الثاني. وعلى امتداد أميركا، كما هي الحال في حركة الحقوق المدنية، يقيم ذوو الضمائر الاعتصامات والاحتجاجات من أجل الدعم. هذه لحظة تنتمي إلى عالم مارتن لوثر كينغ.

ويعتبر هذا الجهد من قبل الحاكم وحلفائه اليمينيين لفصل عمال القطاع الخاص عن العاملين في القطاع العام حيلة قديمة. في الجنوب يتم استغلال العرق في تقسيم الصفوف. والأساليب التي تم صقلها في الجنوب، والتي تتمثل في قوانين الحق في العمل، والحواجز التي تعترض النقابات، تتجه الآن ناحية الشمال. إن ماديسون، مثل مدينة سِلما، ليست مدينة كبرى. فهي ليست شيكاغو أو نيويورك أو لوس أنجلوس. وليست القاهرة. إنها بؤرة المعركة من أجل الديمقراطية في أميركا، وهي عريقة في طابعها الأميركي مثل لكسينغتون وكونكورد ومونتغمري وجيتيسبيرغ وسِلما.

Email